أقلام القراء / بقلم د.رفعت السعيد ٢٠/ ١٢/ ٢٠١٤

ان المقالات المدونة في هذه الخانة تعبر عن اراء اصحابها, ولا تلزم الموقع بمحتواها

 

اردوغان
رئيس الورزاء التركي اردوغان

 إذ نقترب من عام ٢٠١٥ تكون الذكرى المائة لأبشع مذابح التاريخ الحديث التى شنتها الخلافة العثمانية ضد الأرمن، ذلك أن الخلافة العثمانية كانت على وشك التعرض للتفكك تحت وطأة الضغوط الغربية وانتفاض العرب ضد سياسة التتريك، وضد إرهاب طلعت باشا، الذى رفع شعار منع تفكيك الدولة العثمانية عن طريق تنظيفها من الأقليات سواء الأرمنية أو العربية، ولكن الحرب ضد الأرمن اتخذت بعداً مهماً بالنسبة للعثمانيين، نظراً لتمركز الأرمن فى شرق الأناضول الذى يمثل القلب الحقيقى لدولة الخلافة. وبذلك بدأت عملية الادعاء بإحياء الجامعة الإسلامية والترويج لزعم أن الأرمن هم امتداد داخلى للعدو الغربى المسيحى. ويمكن القول إن القضية الأرمنية كحالة صراع قد ولدت بموجب المادة ٦١ من معاهدة برلين عام ١٨٧٨ التى نصت على «يتعهد الباب العالى وبدون أى تأخير بإدخال التحسينات والإصلاحات التى تستلزمها المتطلبات المحلية فى الولايات التى يقظنها الأرمن»، لكن هذا الاتفاق فسره العثمانيون فى تحريضهم ضد الأرمن على أن الغرب «المسيحى» يدافع عن جواسيسه فى قلب دولة الخلافة، ومن ثم كانت مذابح ١٨٩٤-١٨٩٦ التى راح ضحيتها أكثر من مائة ألف أرمنى، وتهجير آلاف أكثر إلى عديد من البلدان، بما أدى إلى خلخلة التركيب السكانى فى شرق الأناضول. ومع تزايد ضعف الخلافة العثمانية وتصاعد حدة العداء لها خلال تحالفاتها فى بدايات الحرب العالمية الأولى بدأ طلعت باشا فى عام ١٩١٥ واحدة من أبشع مذابح التاريخ، وتقول الأرقام الأكثر دقة إن عدد القتلى وصل إلى ما بين ٨٠٠ ألف ومليون أرمنى، فضلاً عن تهجير المتبقين بشكل قسرى. لكن ورغم التدمير الممنهج والمستمر حتى الآن للوثائق المتعلقة بعمليات الإبادة والتهجير فى الأرشيفات العثمانية، فإن الجميع قد فوجئوا بما لم يكن فى الحسبان، وهو ما سمى الآن «الكتاب الأسود» لطلعت باشا، وهو كتيب مكون من ٧٧ صفحة، كتبه محمد طلعت باشا، وزير الداخلية، ويضم معلومات بالغة الأهمية عن عمليات ترحيل الأرمن فى الفترة ١٩١٥-١٩١٧، وهى معلومات لم يكشف عنها قط، لكن زوجة طلعت باشا ظلت تحتفظ بهذه الأوراق حتى سلمتها للمؤرخ التركى مراد بردقجى فى عام ١٩٨٢، ونشر بردقجى بعضاً منها فى جريدة «حرييت» التركية فى ٢٠٠٥، أما النص الكامل فقد نُشر فى ٢٠٠٨.

مذابح-الأرمن

ثم إن السفير الأمريكى لدى الباب العالى فى ١٩١٣-١٩١٦ هنرى مورجنتا ذكر فى مذكراته أنه خلال مباحثاته مع طلعت باشا بشأن الأرمن كان «طلعت باشا يزهو بأنهم تخلصوا تقريباً من معظم الأرمن، فلم يبق أحد منهم على قيد الحياة فى تبليس وفان وأرضروم، وأن الحقد السائد كان بالغ الحدة، بحيث توجب القضاء عليه نهائيا». ويقول السفير: «لقد كررت عليه أنهم ارتكبوا بذلك خطأ فادحاً سوف يندمون عليه، فأجاب: نعلم أننا ارتكبنا أخطاء لكننا لن نشعر بالندم أبدا».

ويؤكد تقرير محمد باشا «أن معظم الأرمن المقيمين خارج القسطنطينية (حيث يوجد السفراء والإعلاميون الأجانب) قد جرى تهجيرهم، وأن أغلبهم قد اختفى من الوجود». وقال: «إن ٩٠% قد هُجِّروا، وإن ٩٠% من المهجرين قد قُتلوا».. ونعود إلى حوار طلعت باشا مع السفير الأمريكى: «نعلم أننا ارتكبنا أخطاء لكننا لن نشعر بالندم أبدا».. لنتذكر إصرار أردوغان على عدم الندم وإصراره على عدم الاعتذار.. والأسباب قد تكون متعددة لكن أهمها فى اعتقادى أن أردوغان، الذى يعد نفسه ليكون خليفة عثمانياً، قد تسلح أيضاً بوحشية أسلافه، وأنه لا يريد أن يقبل أى إدانة للخلافة التى يريد أن يرثها.

כתיבת תגובה

האימייל לא יוצג באתר. שדות החובה מסומנים *