أقلام القراء / بقلم نصار جرادة

انطلقت قوافل و جيوش ( الفتح الإسلامي ) كما يحلو للبعض تسميتها ، أو بتعبير أدق ( الاحتلال العربي ) من قلب جزيرة العرب صوب بلاد الشام ومصر والعراق بداية ، حيث ساد وحكم الرومان والفرس منذ قرون طويلة عديدة ( لتحريرها ) !!! ، وتجاوزت هذه الجيوش في تقدمها حدود هذه الأقاليم شرقا وغربا ، شرقا باتجاه بلاد فارس والأهواز ( إيران ) وخراسان ( شمال غرب أفغانستان و تركمانستان ) وبلاد ما وراء النهرين – والمقصود بهما نهر السيرداريا ونهر الآمور داريا أو سيحون و جيحون بحسب التسمية العربية ( أوزباكستان وطاجيكستان ) وبلاد السند ( جنوب غرب باكستان الحالية ) وغيرهما مما جاورهما أو تلاهما من أصقاع ، وغربا حيث تجاوزت مصر إلى إقليم برقه ( شرق ليبيا ) ومن ثم إلى تونس و مراكش لتصل إلى شبه جزيرة ايبيريا ( الأندلس سابقا – اسبانيا حاليا ) ، حصل ذلك في وقت قياسي بمعايير ذلك الزمان ، ليس بسبب قوة العرب الخارقة أو عتادهم العسكري الحديث القاهر الذي لا يضاهى أو بسبب ملائكة السماء التي حاربت معهم كما ( تزعم الأسطورة وكما يدعون !! )

بل لأن كلا من أمبراطوريتي ( الكفر والشرك ) المجاورتين ، روما وفارس كانتا قد استنزفتا بسبب صراعاتهما الطويلة الدامية وشاختا وبلغتا من العمر عتيا ، وأصاب الوهن والضعف كل مفصل من مفاصلهما ، هذا هو التفسير الوحيد المنطقي والمقبول بنظرنا لما حصل في ذلك الزمن المتقدم من عمر وتاريخ أمتنا وقبائلنا الفتية التي اتحدت حينا من الدهر في طفرة تاريخية لن تتكرر في الغالب وجاء اتحادها في وقت مناسب مثالي ، فسادت واحتلت قطاعا كبيرا – نسبيا – من العالم القديم الذي دان لحكمها وتقبل ذلك مرغما أول الأمر قبل أن يعتاد عليه بحكم العرف و العادة و فعل السنين !

أدرك جيدا بأن كلامي هذا سيغضب كثيرين وسيثير حمية كثيرين للإفتاء ربما بتكفيري وزندقتي و إخراجي من الملة ، حيث استسهل بعض المستشيخين الجهلة وأصحاب الضمائر الميتة و المطاطة ذلك ، وهذا شأن كل من يقيس الأمور على هواه ، وكل من لا يريد أن يعرف أكثر أو أن يعترف ، أن يعرف حقيقة ما حصل و يحصل و أن يعترف بحقائق الحياة والواقع والتاريخ والجغرافيا .

وبعد : لقد جاء في تعريف الفتح أنه ( دخول الإسلام إلى البلدان التي انتشر فيها بعد حروب ومعارك ) ، ويعني ذلك عمليا أن الإسلام دخل إلى كل تلك الأصقاع بعد حروب ومعارك طاحنة بين قوى الشر أو الكفر الحاكمة و جيوش العرب الظافرة المنتصرة في ذلك الحين ، أو بمعنى آخر فإن اعتناق سكان تلك الأقاليم للإسلام جاء كنتيجة من نتائج الحرب وليس كمقدمة لها ، و المغلوب مولع – في الوعي واللاوعي – بتقليد الغالب كما يقول ابن خلدون !

وقد قامت في تلك الأقاليم والولايات وعلى أنقاض الحكومات القديمة البائدة حكومات محلية عربية صرف ، حكومات معيّنة من المركز ، تابعة له و تتلقى الأوامر منه ، حكومات مهمتها الأساسية إخضاع الإقليم المحتل وإلحاقه تماما و جباية الخراج و إرسال ما يفيض منه إلى بيت مال الخليفة العربي في حاضرة ملكه …! والسؤال الذي يلح على خاطري ونحن في مطلع الألفية الثالثة : هل يمكن بمعايير الزمن الحالي التمييز بين فعل الفتح و الاحتلال ؟؟ وإن تسنى ذلك و صار بمقدورنا اعتبار ذلك فتحا حقا – بمعنى عمل يأمر به ويحث عليه ديننا أو عملا محببا مرغوبا يتمنى قاطنو الأقاليم المفتوحة حدوثه في وعيهم أو لا وعيهم – لأن كلمة الاحتلال ثقيلة قاسية على النفس ، فلم توقف ؟ لم توقف و هو عمل مرغوب مطلوب ومتمنى من غير المسلمين ممن يتوقون للخلاص والعدل والسلام الذي انعم الله به على غيرهم ؟!

أدرك أن المجتهدين اجتهدوا وأن لذلك التساؤل إجابات كثر منها : تفرق كلمة العرب و المسلمين و تناحرهم وضعف إيمانهم و بعدهم عن دينهم وعجز قادتهم … الخ ، ولكن أيا منها لا يقنعني . وعلى فرض نجاحنا باستئناف ( الفتوحات !!) من جديد في ظل معطيات جديدة قد تحصل يحملها الغيب وهو حلم يراود البعض !!! ، فهل سنكون قادرين حقا على تبرير ذلك لأي من أمم الأرض بطريقة ما أو تزيينه لهم ؟؟ حتى لو كان الهدف منه حقا نشر الإسلام والعدل والفضيلة…. والسلام …!!!