العلاقات المصرية – الإسرائيلية والخروج عن النص
الكاتب رامي عزيز

طيلة أكثر من 35 عام هى عمر معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل، وملف العلاقات بين البلدين هو مقصور على ملفات معينة عسكرية وأمنية أو حتى إقتصادية ولكنها تدار بايدى الجهات الأمنية المصرية، وغير مسموح وجود أى شكل من أشكال التعاون الشعبى أو الثقافى أو الأعلامى بين الشعبين، وهنا تطل علينا علامات الأستفهام؟؟

وبقراءة متأنية للمشهد سنجد ان هناك أطراف مستفيدة من حصر العلاقات وإبقائها على المستوى الرسمى فقط، فبموجب إتفاقية "كامب ديفيد" يحصل الجيش المصرى سنوياً على مبلغ 1.2 بليون دولار، وهذا المبلغ لا يدخل أى جزء منه فى موازنة الدولة، ولا يستفيد منه الشعب المصرى بأى شئ، وفى أغلب الظن انه لا يذهب إلى ميزانية اليش أيضاً، بل يتوه ويختفى فى بند العمولات والمكافات للقيادات العليا.

حتى إشكال التعاون الأقتصادى الأخرى التى تمت بين مصر وإسرائيل كانت تتم عبر قنوات مخابراتية، ولا يسمح للأفراد والمستثمرين العاديين الأقتراب منها، وعلى رأسها كانت شركة غاز شرق المتوسط الذى كان يترأسها المليارديرالهارب ضابط المخابرات السابق حسين سالم، الصديق الشخصى المقرب للرئيس الأسبق حسنى مبارك.

وكانت ومازالت ورقة العلاقات مع إسرائيل تستغل كورقة مساومة وضغط داخلياً وخارجياً، فمبارك ظل يحتكر هذه العلاقات فى يده هو فقط غير سامح بوجود أى شكل من العلاقات على المستوى الشعبى، ليرسل برسائل لإسرائيل والخارج المتمثل فى الولايات المتحدة، بأن هناك حالة من الرفض والكره لإسرائيل وأن الشعب يريد الغاء معاهدة السلام وقتال اليهود، ولكن بقائى هو صمام الأمان، وأنه الوحيد القادر على حماية هذه الأتفاقية. ولذا كان مبارك يبتز ويساوم بهذه الورقة لتمرير العديد من الأمور على الصعيدين الداخلى والخارجى.

وعلى الطرف الأخر نجد المعارضة الإسلامية من الأخوان والتيارات والجماعات الإسلامية الأخرى كانت ومازالت تستخدم هذا الملف كورقة ضغط على الأنظمة الحاكمة بأنها انظمة ضعيفة تعمل لحساب إسرائيل، وبأنها هى الوحيدة والقادرة على التصدى لليهود وتحرير الأقصى لو وجدت فى السلطة، وكان الطلاب المنتمين لهذه الجماعات يخرجوا فى المظاهرات الجامعية رافعين الشعارات المؤججة لمشاعر الكراهية و التحريض ضد اليهود قائلين " خيبر.. خيبر يا يهود جيش محمد سوف يعود" و "على القدس رايحين شهداء بالملايين" وكان النظام يتواطئ مع هؤلاء تاركهم ينظموا مثل هذه المظاهرات، كرسالة لإسرائيل والولايات المتحدة فى ضرورة المساعدة فى بقائه أطول فترة ممكنة فى سدة الحكم. ولكن سرعان ما أنكشف حقيقة تلك التيارات عندما سقط مبارك أذا صرحوا بأنهم يحترموا جميع الأتفاقيات الدولية وعلى رأسهم إتفاقية كامب ديفيد

وحتى التيارات الضعيفة من المعارضة المدنية التى لا تجد لها شعبية فى الشارع هذه الأيام مثل الناصرين والقوميين، عندما يحالوا اثبات وجودهم فى المشهد، عن طريق أحداث بعض الضجيج لكى يجذب اليهم الأضواء التى أنحسرت عنهم من زمن بعيد، فما منهم الإ استدعاء شعارات الكراهية والتحريض ضد اليهود وإسرائيل التى كان يرددها قدوتهم الرئيس الفاشل "جمال عبد الناصر" الذى كان يقول " سنلقى بإسرائيل فى البحر"، وأتذكر بعض الشعارات لتلك التيارات الحنجورية التى كانت تقول فى إشارة لعبد الناصر أيضاً " أبو خالد يا حبيب بكره هندخل تل أبيب" ورحل أبو خالد تارك الهزيمة لمصر ولم ندخل تل أبيب.

ومؤخراً مرت هذه العلاقات بحادثتين على التوالى وهما:
الأولى: نشر السيد أفيخاى أدرعى – المتحدث بأسم الجيش الإسرائيلى صورة تجمعنى به على صفحته الشخصية فى موقع التواصل الأجتماعى فيس بوك، بعلمى وموافقتى، وقد سبقت أدرعى فى نشر هذه الصورة على حسابى الشخصى قبلها بيوم، ضمن الصور التى التقطها فى إسرائيل أثناء زيارتى ضمن وفد من الصحفيين والإعلاميين العرب المقيمين فى أوروبا، التى نظمت بواسطة وزارة الخارجية الإسرائيلية بمعرفة السيد. حسن كعبية المتحدث بأسم الخارجية لوسائل الإعلام العربية، والذى شغل منصب قنصل إسرائيل بجمهورية مصر العربية فى فترة سابقة.

وما نشرت هذه الصورة حتى قوبلت بعاصفة من الهجوم والنقد والسباب والتهديد، الغير مبررين، فزيارتى كانت لدولة تربطنا بها علاقات دبلوماسية كاملة، ولنا بها سفارة وسفير، والعكس. وأدرعى بجانب صفته العسكرية فهو المتحدث الإعلامى أى هو الشخص المسئول عن التحدث لوسائل الإعلام والصحفيين. الأمر الذى تبعه تقديم العديد من البلاغات فى حقى إلى النائب العام المصرى تطالب بضرورة وضع أسمى على قوائم ترقب الوصول وضرورة التحقيق معى.
صورة أنا وافيخاى

الثانية: دعوة النائب والإعلامى توفيق عكاشة للسفير الإسرائيلى بالقاهرة حاييم كورين، لتناول العشاء فى منزله، الأمر الذى قُوبل بحملة وصلت إلى حرب شعواء، وصلت إلى الأعتداء عليه بالضرب بالحذاء داخل قاعة مجلس النواب، من قبل النائب الناصرى كمال أحمد فى مشهد عبثى يلخص الوضع فى مصر. ليس هذا وحسب لم يكتفى مجلس النواب بهذا بل قاموا، فى جلسة سريعة ما بين ليلة وضحها بإسقاط العضوية عن النائب. توفيق عكاشة، بدون أى سند دستورى او قانونى، غير حجتهم بلقاء بالسفير الإسرائيلى وأضراره بالأمن القومى، وهنا التساؤل:" هل السفير الإسرائيلى فى مصر شخص غير معلوم وجوده، أو يمارس نشاط ضد الدولة المصرية؟" حتى يتذرع مجلس النواب بمثل هذا القول فى أسباب إقالته للنائب. توفيق عكاشة.

وفى نفس الوقت الذى ترفض فيه الدولة أى تواصل، بين اى أشخاص أو مؤسسات غير رسمية مع الجانب الإسرائيلى، فهى تحتكر هذا الحق لنفسها، ففى الحادى عشر من فبراير/ شباط الماضى التقى الرئيس عبد الفتاح السيسى، بوفد من قيادات المنظمات اليهودية بالولايات المتحدة وبحسب تصريحات رئيس الوفد "أثنى السيسى على رئيس الوزراء الإسرائيلى نتنياهو واصفاً آيه بانه يتمتع بمهارت وقدرات قيادية عظيمة"، وسبق ذلك لقاء السيسى بشخصيات يهودية بارزة على الصعيد الدولى مثل هنرى كسينجر، دينس روس. بالأضافة إلى لقائه بنفس السفير الذى اُسقطت عضوية عكاشة بسبب لقائه به. مما يضر بصورة مصر كثيراً امام العالم والمجتمع الدولى، فهل بهذه الخطوة يريد البرلمان إرسال رسالة مفداها بأننا لا نحترم المعاهدات والمواثيق الموقعة من طرفنا؟؟. لأن التصويت على إسقاط عكاشة هو ليس تصويت على إسقاط شخص وعضو بالبرلمان، قدر ما هو تصويت على رفض للسلام وللمعاهدة التى تنص عليه.

فهل سيستخدم البرلمان صلاحيته التى تتيح له إسقاط الرئيس للقائه بهؤلاء، ام أن اسقاط عكاشة هو رسالة تهديد لكل من يحاول الخروج بملف العلاقات بين مصر وإسرائيل من يد السلطة؟؟. أم ان البرلمان الذى ينتمى غالبية اعضائه إلى قائمة فى حب مصر، المكونة بمعرفة الأجهزة الأمنية لا يقدر على فعل هذا!!.

وأخيراً بعد الأحداث الأخيرة فى ملف العلاقات غير الرسمية بين مصر وإسرائيل، أتضحت وانكشفت حقيقة العديد من الأشياء، وأتضح وأنكشف حجم التحريض والكراهية المتاصلة داخل المجتمع المصرى تجاه الأخر فى كل تصرفاته بدأمن مناهج التعليم وصولاً بالبرلمان الذى من المفترض بانه يمثل الشعب. ولكن يبقا هذا الملف مفتوح وبه العديد من المؤثرات الأخرى المتعددة ما بين هو داخلى وخارجى وأقليمى.