لا شك في أن الاتفاق النووي الإيراني نقطة تحول استراتيجية في العلاقات بين الغرب وإيران تنذر باسقاطات على مختلف الملفات في منطقة الشرق الأوسط.

أن يأتي الاتفاق في هذا التوقيت بالذات_أي في فترة تحلل بعض الكيانات وتهالك شعوب المنطقة التي تنتظر خلاصًا من الموت والإرهاب ولو على قارعة دولية_ بعد سنوات من مفاوضات متقطعة مكررة، يعني أن في سطوره أسس مخفية جاءت تساهم بطريقة أو بأخرى برسم خرائط المنطقة وفق هندسة متعددة الأقطاب، مكرسًا دور إيران الإقليمي.

الجميع رحب بالاتفاق " التاريخي" وحدها إسرائيل وقفت عكس تيار الترحيب هذا، لأسباب يقرأها الدكتور إيدي كوهين محلل الشؤون الشرق أوسطية لموقع إسرائيل في العربية، محاولًا رصد انعكاسات هذا الاتفاق على المنطقة من خلال تسطيره التطورات الأخيرة.

يقول د.كوهين رئيس مركز كيديم للبحوث والدراسات العربية إن الاتفاق النووي يشكل تهديدًا وجوديًا لإسرائيل عبر تكريس إيران قوة إقليمية وفق معايير نووية تساعدها في تعزيز نفوذها عبر أذرع الإرهاب (حزب الله، الجهاد الإسلامي وحماس … إلخ) التي تموله وهي التي لا تفتأ أبدًا التهديد في إزالة الدولة العبرية.

ويضيف المحلل السياسي لإسرائيل في العربية، الاتفاق يضع دول المنطقة أيضًا، خصوصًا العربية، في مرمى أهداف الجمهورية الإسلامية التي لم تخف يومًا رغبتها في تصدير إيديولوجيتها بوسائل تتقنها ونجحت في الوصول إلى عمق بعض الدول كلبنان وسوريا واليمن والعراق … مؤججة الصراعات، مستخدمة الدم الطائفي .. دون أن ننسى دعمها إلى الإرهاب في المناطق الفلسطينية…

وخلال ثلاثة عقود، استطاعات أن تحقق أطماعها تحت شعارات منوعة منها الاجتماعي كحقوق " الشيعة" أم من خلال مفهوم ما تسميه "المقاومة" لاعبة على وتر المعزوفة العروبية (محاربة إسرائيل)، وهكذا ستتقن إيران التلاعب بالدول الغربية وستمضي قدمًا نحو تعزيز سلاح نفوذها نوويًا، وصولًا إلى تحقيق الهدف أي القنبلة الذرية في غضون زمن ليس ببعيد.

الدكتور ايدي كوهين - مركز كيديم للبحوث والدراسات العربية
الدكتور ايدي كوهين – مركز كيديم للبحوث والدراسات العربية

وما تصريحات وزير الخارجية الإيراني تجاه الدول العربية مؤخرًا إلا تأكيد على تعزيز وجود إيران قوة إقليمية وإن كان معتمدًا سياسة " الديبلوماسية الباسمة" كما يحلو للبعض تسميتها والتي لا تتخطى حدود الكلمات.
التداعيات المباشرة لهذا الاتفاق، ظهرت جليًا، بين الحليفتين الاستراتيجيتين؛ الولايات المتحدة وإسرائيل: الاتفاق جاء بمثابة صب الزيت على نار التوتر بين الرئيس باراك أوباما ورئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، وإذ بالخلافات الشخصية بين الرجلين تنضح من انتقاد سياسات كلا الطرفين التي يعتبرها د. كوهين منحصرة في شخصهما وليس لها أي تداعيات على العلاقات العسكرية بين الدولتين ، رغم أن القدس تشعر في صميمها بأن واشنطن خانتها وطعنتها من الخلف وهذا حال أيضًا الدول العربية لا سيما الخليجية منها التي تعتبر أن الولايات المتحدة تخطتها ومصالحها بهذا الاتفاق.

الرئيس الأمريكي يشعر وكأنه في مأزق أمام شعبه وحلفائه، خاصة في حال رفض الكونغرس الاتفاق، وما تصريحه الأخير حول إمكانية أن يضرب " حزب الله" تل أبيب في حال تم رفض اتفاق إيران، ما هو الا نوع من الحرب النفسية لحمل الكونغرس على التصويت ايجابًا بدعم من اللوبي اليهودي.

لا يستبعد د. كوهين أن يتغير مسار التطورات في حروب المنطقة، التي بدأت تشهد تحركات لم نعهدها قبل الاتفاق بدأت تتفاعل في الآونة الأخير، نبدأ من هدنة معركة الزبداني وهي التي تعتبر معادلة جديدة في الحرب السورية، بحيث يشهد الميدان تسويات بين الجيش السوري النظامي وحزب الله المحسوبان على إيران وبين فصائل؛ جيش الإسلام المحسوب على السعودية وأحرار الشام المدعوم من تركيا التي دخلت فعليًا الحرب ضد "داعش" مع اعطاءها الضوء لضرب " العمال الكردستاني"، ناهيك عن فتح قاعدة "انجرليك" لطائرات التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة، دون أن ننسى ما أثير مؤخرًا عن إقامة منطقة عازلة داخل الأراضي السورية، استجابة لطلبها.

ويضيف د. كوهين شهدت المنطقة أيضًا تحركات غير اعتيادية تمثلت باللقاءات السعودية والروسية والامريكية على أكثر من صعيد ضف إلى اجتماعات الدوحة، ولعل المحطة الأبرز، كانت زيارة الجنرال قاسم سليماني قائد فيلق القدس بالحرس الثوري الإيراني إلى موسكو، الأمر الذي يعد حتى اليوم خرقًا لحظر السفر..
وفي اليمن، رغم أن الأوضاع لم تستقر تمامًا، إلا أن التقدم الذي أحرزته قوات الجيش اليمني المعترف به دوليًا صوب تعز وأبين ومأرب، لم يكن بالأمر المجرد من علامة استفهام، نزيد على ذلك بداية التحضيرات لاجتماعات لحل النزاع في عُمان، وتصريح وزير الخارجية السعودي عادل الجبير بأن الحوثيين فصيل سياسي في اليمن له حقه في الوجود والمشاركة.

ويخلص د إيدي للقول أن ما ذكر، يأتي على صعيد المثال لا للحصر في ظل تسارع التطورات ، فعلى ما يبدو أن هذه القرائن ما هي إلا مؤشر لبداية تنفيذ شيء ما، ميدانيًا، يقود إلى تغيير جذري في رسم مناطق نفوذ، ما يطرح اسئلة كثيرة حول سيناريو المشهد المستقبلي للمنطقة؛ فهل يتحلل العراق وتتفتت سوريا؟ وهل ينفصل جنوب اليمن وماذا عن وحدة الأراضي الليبية؟ وهل تشهد المنطقة ولادة الدولة الكردية وإلى أين تتجه العلاقات العربية ــ الإسرائيلية لاسيما الخليجية ؟

כתיבת תגובה

האימייל לא יוצג באתר. שדות החובה מסומנים *