نقلا عن  http://ar.danielpipes.org
بقلم دانيال بايبس / واشنطن تايمز

أوقعت شخصيات سياسية بارزة _غير مسلمة- نفسها بالحرج، وذلك بإنكارها الصلة الواضحة والبينة بين الإسلام من جهة وكل من الدولة الإسلامية (داعش ) والعنف الإسلامي أو الإسلاموي في باريس وكوبنهاغن من جهة أخرى، وبإدعائها أن الدولة الإسلامية والعنف الإسلاموي هما على تناقض مع الإسلام. ما الذي يسعون لتحقيقه من هذه الأكاذيب، وما هي أهميته ودلالته؟

أولا، نأخذ عينة من الحديث المخادع:

الرئيس باراك أوباما يقول للعالم أن الدولة الإسلامية في العراق وسوريا "ليست إسلامية" لأن "أفعالها لا تمثل أي إيمان أو دين، خاصة دين المسلمين." وقال مؤكدا "نحن لسنا في حرب مع الاسلام [ولكن] مع أناس انحرفوا عن الإسلام وارتدوا عنه."
رئيس الوزراء البريطاني دافيد كاميرون ورئيس الولايات المتحدة باراك أوباما يتفقان على أن العنف هو ردة وانحراف عن الإسلام.
وزير الخارجية جون كيري يُعيد ما قاله أوباما: تتكون الدولة الإسلامية في العراق وسوريا من "قتلة يزهقون الأرواح بدم بارد متنكرين في صورة حركة دينية" ويروجون "لايديولوجية كراهية لا علاقة لها بالاسلام". ويذهب المتحدث باسمه، جين بساكي، إلى أبعد من ذلك: الإرهابيون هم "أعداء للإسلام".

ويؤكد ويصادق جيه جونسون، وزير الأمن الداخلي في الولايات المتحدة، على ذلك ويصرح بأن "تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام ]ليس[ إسلاميا." أما المُفضل لدي: هوارد دين، الحاكم الديمقراطي السابق لولاية فيرمونت، فيقول عمن اعتدوا على شارلي إيبدو: "إن صلتهم أو انتسابههم للإسلام لا يزيد عن صلتي أو انتسابي أنا له."
هل أعلن هوارد دين، الحاكم السابق لولاية فيرمونت، عن إسلامه؟
الأوروبيون من جانبهم يتحدثون بشكل متطابق: ديفيد كاميرون، رئيس الوزراء البريطاني من الحزب المحافظ، يصور تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا على أنه تنظيم من "متطرفين يستغلون الإسلام ويسيئون إليه" "ويحرفون العقيدة الإسلامية ويرتدون عنها". ويصف الإسلام بأنه "دين سلام" ويتهم أعضاء تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا بأنهم ليسوا بمسلمين، وإنما "وحوش". ويدعي وزير الهجرة في حكومته، جيمس بروكنشير، أن الإرهاب والتطرف "لا صلة لهما بالاسلام".

على صعيد حزب العمل، يرى رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير أن إيديولوجية تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا "قائمة على إنحراف كامل عن الإيمان السليم بالإسلام وتحريف له"، في حين أن وزير الداخلية السابق، جاك سترو، يدين "بربرية القرون الوسطى لتنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا ومن على شاكلته من تنظيمات" تلك التي يعتبرها ويحكم عليها بأنها "مخالفة ومناقضة تماما للإسلام."

على الجانب الآخر من بحر المانش، يصر الرئيس الفرنسي، فرانسوا أولاند، على أن "المجرمين الذين نقذوا الهجوم على تشارلي ابدو وهايبر كاشر" لا علاقة لهم بالدين الاسلامي." ويتفق رئيس وزرائه، مانويل فالس، معه على أن: "الإسلام ليس له علاقة بتنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا."

ويردد رئيس الوزراء الهولندي مارك روت نفس الكلام: "تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا منظمة إرهابية تسيء إلى الإسلام وتستغله". ويصف- دانيال كوهن – بنديت، وهو سياسي ألماني يساري- قتلة باريس بالفاشيين وليس بالمسلمين. من اليابان، يوافق رئيس الوزراء شينزو آبي على أن: "التطرف والإسلام أمران مختلفان تماما."

وجهة النظر تلك ليست جديدة: على سبيل المثال، الرئيسان الأمريكيان السابقان بيل كلينتون وجورج دبليو بوش سبق وقام كل منهما ببث فهمه وآرائه حول ما هو الإسلام وما هو ليس بإسلام، إلا أنهما كانا أقل جزما.

ملخص هذه التصريحات، التي تأتي مباشرة من منظومة التكتيك الإسلاموي: الإسلام هو مجرد دين سلام، لذا العنف والهمجية لا صلة لهما بالاسلام على الاطلاق, ولكنهما يرتديان عباءته ويمثلان انحرافا وردة عنه .يترتب على ذلك، أننا بحاجة إلى المزيد من الإسلام لحل هذه المشاكل "الوحشية" و "البربرية."

ولكن هذا التفسير، بالطبع، يتجاهل القرآن وتاريخ المسلمين، الشاهد على افتراض تفوق المسلمين على غير المسلمين ومشروعية العنف في الجهاد. ومما يُحزن المرء، أن تجاهل الدافع الإسلامي وغط الطرف عنه إنما يعني التخلي عن أفضل وسيلة لهزيمة الجهادية: لأنه إذا كانت المشكلة لا تنشأ عن تفسير أو فهم ما للإسلام، وإنما عن شر عشوائي ودوافع غير عقلانية، فكيف يمكن للمرء أن يتصدى لها؟ إدراك دور إرث الإمبريالية الإسلامية هو وحده فقط القادر على فتح السبل لإعادة تفسير الكتب الإيمانية بطرق حديثة ومعتدلة تؤمن بحسن الجوار.

لماذا، إذاً، يتحدث السياسيون الأقوياء بحجج تنطق بالجهل ولا تؤدي إلا إلى نتائج عكسية، آراء وحجج يعرفون بالتأكيد أنها كاذبة، خاصة مع انتشار الإسلاموية العنيفة (فُكر في بوكو حرام وحركة الشباب وطالبان)؟ بالتأكيد يلعب كل من الجبن والتعددية الثقافية دورا، ولكن هناك سببين آخرين لهما أهمية أكبر:

أولا، إن هؤلاء السياسيين لا يريدون الإساءة للمسلمين، حيث يخشون أن يصبح المسلمون أكثر عنفا إن رأوا أن غير المسلمين يسعون إلى شن "حرب على الإسلام". ثانيا، يشعرون بالقلق من أن التركيز على المسلمين سوف يؤدي بالضرورة إلى تغييرات جذرية في النظام العلماني، في حين يسمح إنكار وجود عنصر إسلامي في أعمال الإرهاب بتجنب القضايا المثيرة للقلق. على سبيل المثال، يسمح مثل هذا الإنكار لأمن الطائرات بالبحث عن أسلحة الركاب بدلا من الانخراط في استجوابات على شكل النمط الإسرائيلي.
وفقا لما يصرح به السياسيون غير المسلمين، أعضاء طالبان هؤلاء لا صلة لهم بالإسلام.
تنبؤي : سوف يستمر الإنكار ما لم يزداد العنف. في الماضي القريب، 3000 ضحية في الحادي عشر من سبتمبر لم تهز رضا الغفلة لدى غير المسلمين. كما أن ما يقرب من 30 ألف اعتداء وهجوم إرهابي قاتل من قبل الإسلاميين منذ ذلك الحين لم يغير من الخطاب الرسمي. ولعل سقوط 300 ألف قتيل سوف يؤدي إلى التخلص من القلق والمخاوف المتعلقة بالحساسيات الإسلامية وإلى التخلص من الإحجام عن إجراء تغييرات اجتماعية عميقة، والاستعاضة عنها بعزم على محاربة أيديولوجية يوتوبية متطرفة؛ سقوط ثلاثة ملايين من القتلى سوف يكفي بالتأكيد.

بدون هذه الخسائر البشرية العظيمة، سوف يواصل السياسيون على الأرجح إنكارهم لأنه أسهل من مواجهة الحقيقة. يؤسفني ذلك – إنهم يفضلون إنكار الحقيقة.