موقع إسرائيل بالعربية / بقلم جمال مزراحي
من وراء إشعال نار  الأزمة في كردستان ؟

علم كوردستانيعاني اليوم إقليم كردستان من أزمة اقتصادية غير محسوبة يعتقد الكثير بأنها امتدادا للوضع الشائك في العراق وهذا ليس بمستبعد فالعراق هو منبع للأزمات الكارثية كما يسميه أبناؤه فمنذ عام 2003 الى عامنا والعراق يعاني من المشاكل والأزمات التي لا تقف عند وتيرة واحدة بل هي مستمرة لأسباب كثيرة لا مجال لسردها نظرا لتعقيدها البالغ.

حديثنا هنا عن إقليم كردستان- العراق الذي كان يعتبر الرقعة الوحيدة الآمنة في العراق والمستقرة نسبيا مقارنة بالعاصمة بغداد وبقية المحافظات تشهد هذه المنطقة اليوم أزمة اقتصادية حادة انعكست على الواقع السياسي في الداخل, فتبادل الاتهامات بين الأطراف السياسية المشاركة في حكومة الإقليم لا زال قائما من جهة, و التظاهرات الحاشدة في السليمانية لا زالت في تزايد من جهة أخرى, بسبب تأخر رواتب الموظفين التي لم تصرف منذ أربعة أشهر ناهيك عن إفلاس البنوك, وشركات القطاع الخاص, وكساد السوق , وقد انعكست هذه الأسباب على المجتمع الكردي وما عملية حرق مقرات الحزب الديمقراطي الكردستاني في السليمانية إلا دليل على هذا السخط الشعبي رغم ان الأخير اتهم أطراف سياسية معينة بضلوعها وراء هذه الأعمال مما قد ينذر بحرب داخلية تعيد الى الأذهان ذاكرة حرب التسعينات وكل ما جرى فيها من قتل وتخريب .

إيران الدولة الوحيدة المستفيدة من هذه الأزمة ولا ننفي ضلوع دول أخرى كتركيا التي هي الأخرى ليس من مصلحتها قيام دولة كردية قوية ولكن اتهام إيران بالذات له أسباب أكثر منطقية فالنفوذ الاقتصادي الايراني والشركات الخاصة التابعة له تتحكم بنسبة كبيرة بالمفاصل الاقتصادية داخل كردستان وبالأخص منطقة السليمانية التي انطلقت الأزمة منها, بل البعض يقول بأن النفوذ الاقتصادي الإيراني قد بلغ مديات فاقت النفوذ التركي وهذا ليس بمستبعد خصوصا بأن لإيران سياسة اقتصادية معينة تتمثل بتجنيد مجموعة من المستثمرين وأصحاب الشركات ليقوموا فيما بعد بطرق غير مباشرة تهدف لقتل الاقتصاد المحلي وبهذه الطرق وغيرها سيتاح المجال فيما بعد لفرض البضائع الايرانية على السوق بشكل نهائي كما هو الحال في العاصمة بغداد والمحافظات الشيعية التي لا زالت أسواقها تغص بالبضائع الإيرانية, والأهم من ذلك ان لإيران أتباع ومؤيدين في كردستان أكثر من تركيا نظرا للعداء القديم الذي يجمعهم تجاه النظام العراقي السابق إضافة الى المهارة الإيرانية في شراء ذمم الكثير من الأطراف السياسية التي لطالما تتحين حلول الفرصة المناسبة لإسقاط مسعود برزاني.

لكن السؤال المطروح ما الذي يدفع الإيرانيون وأتباعهم لإشعال هذه الأزمة في هذا التوقيت بالتحديد؟, وما هي الثمار التي سيجنونها من هذا المخطط الطويل؟ بالطبع فشل جهود الإقليم العسكرية في القضاء على الجماعات المتطرفة كان له بيئة ملائمة أمام الاخطبوط الإيراني وهذا ما حدث اليوم بالفعل , أما الموقف الأمريكي حيال هذه الأزمة فلا زال غامضا رغم ان أمريكا تعتبر كردستان حليفها الاستراتيجي الوحيد في العراق و طفلها المدلل لكننا نرى بأنها تتخلى عنه اليوم ليس في كل مرة تدعمه على الصعيد السياسي والعسكري لأن سياسة واشنطن قائمة بالأساس على تدعيم وتمكين الشرطي في المنطقة متى ما وجدته قويا أما اليوم فيبدو هذا الشرطي يعاني أزمات كثيرة و ربما هذا يعني تخلي الإدارة الأمريكية عنه وتركه يواجه مصيره في سجن يعج باللصوص وأصحاب السوابق هذا من جهة, من جهة ثانية ترحيب بعض المسؤولين الأكراد بالضربات الروسية كان له صداه داخل البيت الأبيض وما هذا التراخي الأمريكي اليوم تجاه الإقليم إلا دليل على امتعاض واشنطن بهذا الترحيب.
أما ما ستجنيه دولة الولي الفقيه من هذه الأزمة فيمكن ان نقول اشعال الفوضى والحرب الداخلية في الإقليم فلا يمكن لإيران ان يكون لها يد أو زخم في منطقة دون ان تعاني من الاضطرابات الأمنية هذه السياسة لاحظناها جليا في اليمن ولبنان وغيرها من البلدان, أما العامل الآخر وهو الأهم هو تمكين الميليشيات الشيعية من التوغل داخل الإقليم في حال استمرار الأزمة من دون علاج, ولا ننسى المحاولات الكثيرة من قبل عناصر هذه الميليشيات لاحتلال أراضي في الإقليم تحت ذريعة محاربة داعش !, وقد يكون العامل الأخير عدم إفساح المجال للإدارة الأمريكية كي لا تراجع حساباتها تجاه كردستان خصوصا الانتخابات الأمريكية باتت على الأبواب مما يستلزم مراجعة بعض السياسات المستقبلية لولا تدارك إيران بخطورة ذلك على مصالحها .
هذه الأزمة وما رافقها من نتائج ستكون تمهيدا لمعركة كركوك المرتقبة الذي تنبأ بحدوثها (دهاقنة السياسة) العراقيين أما أبطال هذه المعركة فسيكونون هذه المرة من الداخل وهذا يعني بأننا سنشهد المزيد من الانفراج للأوضاع في العراق والإقليم على وجه الخصوص الذي سيشهد تغييرات مستقبلية لاحت بوادرها في الأفق .