بقلم د. حسين الديك

د. حسين الديك أقلام القراء موقع إسرائيل بالعربيةلم يكن الراهب الالماني مارتن لوثر شخصا عاديا يذكر في التاريخ ، ولكن الحركة التي جاء بها والتي تمثلت بالاحتجاج على الواقع الديني السائد في اوروبا جعلت منه علما من اعلام التاريخ السياسي والديني ، فصاحب المذهب البروتستانتي مارتن لوثر جاء بثورة في عالم الكنيسة والكهنوت على الواقع الصعب والظلم الذي كانت الكنيسة تفرضه على الشعوب الاوروبية في ذلك التاريخ،  فالممارسات الكنسية التي لا يقبلها العقل والوجدان فرضت لقرون طويلة على الشعوب حتى جاء المخلص مارتن لوثر وقام بالاحتجاج والتمرد على ذلك الواقع، وظهرت حركة الاصلاح الديني والتي عرفت فيما بعد بالمذهب البروتستانتي ، وحينها تم الفصل ما بين السلطة الدينية الكنسية الكهنوتية والسلطة السياسية المتمثلة في الدولة ومؤسساتها ، وتم حصر سلطة الكنيسة داخل الاطار الديني المخصص لها.

ان تحرير المانيا من سلطة الكتنيسة اولا ، وتحرير اوروبا ثانيا ، جاء نتيجة الحركة الاحتجاجية التي قادها مارتن لوثر في المانيا وانتشرت الى باقي انحاء اوروبا ومن ثم الى دول العالم المسيحي قاطبة، وكانت الاثار الايجابية مدوية لهذه الثورة وهي ثورة التحرر وتحرير العقل والانسان الاوروبي من السلطة الدينية وسلطة الكنيسة لتحل محلها سلطة العقل والسلطة المدنية، ولم يتوقف الامر على ذلك بل جاءت الاثار المتتالية لهذه الثورة ضد السلطة الدينية مدوية في اوروبا كافة وكانت الانطلاقة نحو الابداع العلمي والتكنولوجي والسياسي.

ومن الملاحظ في عالم اليوم ان اهم الدول التي تتمركز في طليعة الدول المتقدمة في العالم اقتصاديا وثقافيا واجتماعيا وسياسيا وتكنولوجيا هي المانيا والولايات المتحدة الامريكية وبريطانيا وهي الدول التي انتشر فيها المذهب البروتستانتي واصبحت غالبية السكان من اتباع هذا المذهب، وليست العبرة في اتباع البروتستانتية او غيرها ولكن في الاثار التي احدثتها البروتستانتية على الدولة والمجتمع من تحرر وتقدم وتخلص من كل الاوهام والتقاليد التي لا يقبلها العقل والمنطق حتى اصبحت تلك الدول في مرحلة متقدمة مقارنة بدول العالم الاخرى، وهنا لابد من النظر الى الدول الاسكندنافية مثل النرويج والسويد والدنمارك التي تتمتع برخاء وتطور كبير، ليس هذا فحسب بل ان اوروبا قاطبة اصبحت في مرحلة متقدمة جدا، ويحتاج العرب الى ملايين السنين حتى يبلغوا تلك المرحلة.

اما عن عالمنا العربي ، فلا زلت سلطة القبيلة وسلطة العائلة وسلطة الطائفة والسلطة الدينية، وسلطة المذهب ، وسلطة الزبائنية ، وسلطة الاقليمية، هي السائدة في مجتمعنا العربي، بل هي متجذره فيه الى الاعماق ولدينا توجه مقاوم لكل محاولات التخلص من تلك الارث البالي الذي اكل عليه الزمن وشرب، بل تستخدم تلك التوجهات الضيقة لخدمة الاغراض والمنافع الشخصية الضيقة، اي لخدمة العائلة والمذهب والطائفة والقبيلة، ويقابلها في ذلك رفض من الطرف الاخر داخل المجتمع مما ينتج عندنا احتراب واقتتال طائفي قبلي عائلي مذهبي، وها هي دولنا العربية من خليجها الى محيطها تعج بالمليشيات والجماعات المسلحة، التي تقتل وتدمر وتعيث خرابا وفسادا في الارض تحت مسمى نصرة الطائفة او المذهب او القبيلة او العائلة او الاقليم، واصبح مثقفونا شعراء بلاط ليس للحكام والسلاطين فقط، بل اصبحو خدم للعائلات والمليشيات والجماعات الطائفية ، وامام هذا كله سلام عليك يا امة العرب.

امة العرب في هذا الواقع الذي تعيشه تسير من دمار الى دمار، فليست المشكلة سياسية ولا اقتصادية ، بل هي مشكلة في الاعتقاد والثقافة والتفكير والتوجه نحو المسلمات التي تجذرت فيها بفعل عوامل عديدة ، وامام هذا كله ، هل نحن بحاجة الى مارتن لوثر عربي؟؟؟