موقع اسرائيل بالعربية / أقلام القراء

نبذة عن المجتمع العراقي بعد 2003

الكاتب جمال مزراحي
لا يخفى على احد ما آلت إليه الأوضاع في العراق, من تغير شامل في كل المفاصل ,بعد دخول القوات الامريكية العاصمة بغداد بتاريخ تسعة نيسان 2003, بمساندة القوات البريطانية ,ومعظم دول حلف الناتو وغيرها من الدول التي تطوعت لهذه الحرب, لكن موضوعنا اليوم لا يتحدث عن حرب العراق ولا يتحدث ايضا عن النظام العراقي السابق, المعروف بدكتاتوريته وقمعه ,وانما مقالنا يسلط الضوء على طبيعة المتغيرات التي ظهرت في المجتمع العراقي, بعد سقوط النظام السابق, ومدى تأثيرها على نفسية المواطن العراقي بشكل أو بآخر .


 

بدأت تظهر في المجتمع العراقي مؤخرا ملامح جديدة, تمثل لما كان مكبوتا أو متكتما طيلة العقود الماضية, حيث بدأت تطفو على السطح شعارات تنادي بكل ما هو طائفي وعرقي , وكلنا نعلم جيدا ما آلت اليه هذه الشعارات التي تغذي على انمائها وسائل اعلامية مأجورة حكومية وغير حكومية ,من اقتتال طائفي دموي دام لعدة سنوات, فضلا عن الفراغ السياسي الكبير في ذلك الوقت الذي أدى الى تدهور الأوضاع الأمنية, حيث لا يستيقظ الفرد العراقي, إلا على اصوات الإنفجارات, والإغتيالات ……. الخ وقد صاحبت تلك العوامل وغيرها, من العوامل مجتمعة ظهور ما يسمى بإزمة الثقة التي لا يزال يعاني منها المجتمع العراقي, حتى هذه اللحظة التي اكتب فيها هذه السطور والتي تعني الشعور بالخوف والريبة المتبادلة , الذي شمل العراقيين عامة حتى إمتد هذا الشعور داخل العائلة العراقية الواحدة , وقد بات المواطن العراقي ,لا يفصح عن هويته المذهبية, ولا عن محل إقامته, او مكان عمله , مما أدى الى مزيد من التفسخ في النسيج الاجتماعي وتراجع المنظومة الأخلاقية نحو الصفر, بكل ما تعنيه الكلمة من معنى, ويجب ان لاننسى في نفس الوقت وجود اسباب ومسببات ,هي التي جعلت المجتمع العراقي, يسير نحو هذا التراجع الملحوظ نذكر منها :

1- ضعف وهشاشة المستوى الثقافي لدى المجتمع العراقي, حيث لو اجرينا عينة بحثية على المجتمع العراقي, ككل لوجدنا نسبة كبيرة منهم, أميين لا يملكون تحصيل دراسي, وهذا الموضوع ايضا عائد لأسباب كثيرة تتعلق بإزدياد خط الفقر, وتذبذب الهجرة من الريف إلى المدينة , او بالعكس وغيرها من الأسباب ..

2- تراجع الوعي الاجتماعي والسياسي والمقصود بهذه النقطة, عدم معرفة وتشخيص المواطن العراقي بالأحداث الدائرة من حوله, وتحليلها من منطلقات وبديهيات تأملاتية غير موجودة على أرض الواقع ,ولهذا نرى الإشاعة سرعان ما تنتشر بين العراقيين , وتصبح حقيقة مسلم بها وخصوصا اذا كانت تتعلق بأماني وتطلعات مغيبة لم تتحقق, اما ما يتعلق بالناحية الثانية _أي تراجع الوعي السياسي _ فهذه نقطة خطيرة يجب الوقوف عليها قليلا, حيث نعلم ان العراق هو من اكثر البلدان ,التي مرت بالحروب والتبدلات السياسية المفاجئة, وقد رافق ذلك هشاشة في القاعدة الأيديولوجية, واستبدالها ببديهيات فلسفية سرعان ما تتلاشى بزوال هذا النظام أو ذاك, حيث لم ينفك الفرد العراقي عن الحديث في الامور السياسية, منذ أربعينات القرن الماضي حتى يومنا هذا, وهو في الحقيقة يجهل علم السياسة بحد ذاته!, مما قاد ذلك الى إتجاه المواطن العراقي , نحو ما يسمى بالأمية السياسية ,التي بحسب المحللين , اخطر من الأمية التي تتعلق بالقراءة والكتابة, كما ان علم السياسة لا يشمل المواطنين الاميين والبسطاء ,ولا يمكن ان يكون حديث الصباح في المقاهي ! , لهذا يجب ان لا نستغرب عندما نرى في العراق ,قلة الرجال الذين يتقنون اللعبة السياسية وافانينها .

3- سيطرة المنظومة الدينية المتشددة على المجتمع وتسييره وفقا لإرادتها, وهذا في الحقيقة موضوع لا يقل اهمية وخطورة عن المواضيع السابقة, فنسبة كبيرة من المجتمع العراقي, خاضعة للأسف للمرجعيات الدينية ,القائمة على اساس رجعي متخلف ان صح التعبير, فالمرجعيات الدينية او المذهبية يعود لها الفضل الكبير في تفكك المجتمع العراقي, وتراجعه دون بقية المجتمعات فالدهاليز المظلمة التي يتبناها ويعمل على تنفيذها , رجال المرجعيات ومن لف لفهم, تكاد تقترب من دهاليز العصور الوسطى ,والتي تتضمن تحريم افعال سخيفة تافهة لا تمت بصلة بالواقع والمجتمع , وتحليل افعال اخرى, لا تقل تفاهة وسخفا عن سابقاتها ناهيك عن ما تلعبه هذه المرجعيات, من دور سري يتضمن تمرير أيديولوجيات, وعقائد ملغومة تحت غطاء ديني سميك ,ويجب ان لا ننسى ان اغلب رجالات هذه المرجعيات يعملون لصالح أجندات خارجية, ويعملون لأجل تنفيذ مشاريع و مخططات اعد لها مسبقا .

4- ضعف استيعاب المواطن العراقي لمفاهيم الديمقراطية والحداثة, بسبب ما عاناه العراق طيلة الفترة الراحلة من انظمة دكتاتورية, تقترب سياساتها من المفاهيم النازية ,وبالتالي حدث ما يسمى بالأنفجار الديمقراطي, الذي انعكس سلبا على المجمتع, وهذا الموضوع ايضا راجع الى تراجع الوعي السياسي الذي تحدثنا عنه سابقا .

فهذه الاسباب وغيرها من الاسباب, التي لم نذكرها لضيق المجال تحتاج الى علاجات جذرية شاملة ,يقوم بها اصلاحيون حقيقيون يتبون مشاريع تصب في خدمة المجتمع, رغم ان هذا الأمر عسير التحقق في الوقت الراهن, وعلينا ان لا ننسى أيضا القاعدة المشهورة التي تقول بأن الشعوب هي التي من تغير نفسها ,اولا ولا تحتاج الى من يغيرها لكن للأسف, لم نجد الشعب العراقي يطبق هذه المقولة حتى يومنا هذا, فإعتياد العراقيين على رمي أخطائهم ومساوئهم, على الغير هو الذي أوصل بهم الى هذه النتائج وللحديث بقية!! .

ان المقالات المدونة في هذه الخانة تعبر عن اراء اصحابها, ولا تلزم الموقع بمحتواها

5 תגובות

  1. لاشك عزيزي انك اصبت في مقالك ووضعت يدك على الجرع  ووصفت الدواء والامر يتوقف على الشعب العراقي في التغيير والتطور لكني متفائل بالتغيير والتطور فالشعب العراقي وضع قدمه على الطريق الصحيح وهو طريق الديمقراطية والتعددية وحكم الشعب رغم كل العراقيل والعثرات رغم كل المعانات والالام لا شك يحتاج الى وقت فالديمقراطية تحتاج الى تجربة وممارسة كالسباحة اذا لم تنزل الى البحر لا تتعلم السباحة وها هو الشعب العراقي دخل البحر صحيح هناك من يتمنى له الغرق ويعمل من اجل ذلك لكني على يقين سيتعلم السباحة وسيكون ماهرا بها ما هو رأيك عزيزي

  2. كعادتك استاذ جمال أبدعت وأصبت في معظم كلماتك وأعتقد ان ضيق المساحة لم يعنك على الاسهاب..لكن كلامك المختصر كان وافيا وشافيا ،ومما لاشك فيه ان السبب الرئيسي في جهل المجتمع العراقي كان ولايزال وسيبقى (للاسف) هو رجالات الدين السياسي الذي أسهم بشكل كبير في تجهيل المجتمع لغرض ابقاء السيطرة النفسية والروحية من اجل ضخ الافكار الظلامية التي اكل الدهر عليها وشرب كما يجب ان لاننسى ان نزوح القرويين من الريف الى العاصمة وبأعداد كبيرة ساهم بنقل العادات والتقاليد الريفية البالية الخالية من المضمون وغرسها في نفوس ابناء العاصمة الاصليين .
    ان الحديث عن هذا الموضوع طويل ويحتاج الى دراسة مفصلة لايسعها المجال هنا ..شكرا لك مرة اخرى استاذ جمال وسلمت يداك

כתיבת תגובה

האימייל לא יוצג באתר. שדות החובה מסומנים *