الأبرتهايد العربي  
 مقال رأي بقلم الباحث، المحاضر والصحفي الإسرائيلي  بن- درور يميني 
 
 نشر في صحيفة معاريف الاسرائيلية يوم 14.5.2011
الترجمة: الخارجية الاسرائيلية
 
في عام 1952 قال ألكسندر غالوي، وهو موظف رفيع المستوى في الأونروا: " إن الدول العربية لا تريد أن تحل مشكلة اللاجئين. بل تريد أن تبقيها جرحاً مفتوحاً، كسلاح ضد إسرائيل. والحكام العرب لا يبالون إطلاقاً إذا عاش اللاجئون أو ماتوا". إن علم تدوين وقائع التاريخ الفلسطيني، وبصورة عامة الأكاديمي منه أيضاً، قام بمحو سلسلة تفوهات من هذا النوع، مثلما قام بمحو حقيقة استيعاب عشرات ملايين اللاجئين في أماكن أخرى، ومثلما قام بمحو "النكبة اليهودية"، وحكاية اقتلاع وطرد يهود البلدان العربية، ومثلما قام بمحو حكاية الأبرتهايد العربي. لكن الحقيقة لا بد أن تُقال. فعلاً كانت هناك نكبة. لكنها نكبة مسجلة بأساسها على اسم الأبرتهايد العربي. 
 
إن "النكبة الحقيقية" هي حكاية الأبرتهايد العربي. عشرات الملايين، ومن ضمنهم يهود، عانوا من "النكبة"، التي شملت الاقتلاع، الطرد واللجوء. ال"فلسطينيون" وحدهم فقط بقوا لاجئين، لأنهم لاقوا التنكيل والقمع من قبل الدول العربية. فيما يلي حكاية "النكبة" الحقيقية.   
 
في عام 1959 اتخذت جامعة الدول العربية القرار رقم 1457 وهذا نصه: " تمتنع الدول العربية عن منح المواطنة لطالبيها من "أصل فلسطيني"، وذلك بغية منعهم من الاندماج في البلدان المستضيفة لهم". هذا قرار مذهل، ويتناقض تناقضاً تاماً مع المعايير الدولية بكل ما يتعلق بمعالجة اللاجئين خلال تلك السنوات، وبخاصة خلال ذلك العقد من الزمن. لقد بدأت الحكاية بطبيعة الحال في عام 1948، أيام حدوث "النكبة" الفلسطينية. هذه  هي أيضاً بداية أي نقاش حول النزاع العربي – الإسرائيلي، مع توجيه اصبع الاتهام إلى إسرائيل، لأنها قامت بطرد اللاجئين، وجعلتهم بؤساء. هذه الأكذوبة أصبحت من تراث الكثيرين من عالم الأكاديميا ووسائل الإعلام الذين يتناولون هذا الموضوع.  
 
لقد سبق وأوضحنا في مقالات سابقة حول قضية اللاجئين أنه لا توجد أية خصوصية بهذا الموضوع للنزاع العربي- الإسرائيلي. أولاً، فإن الدول العربية قد رفضت القبول بقرار التقسيم، وشرعت بحرب إبادة ضد دولة إسرائيل، التي كانت قد قامت لتوها. جميع السوابق في هذا المجال تظهر أن من يشرع في الحرب، ومع تصريحات بإبادة الطرف الآخر بعد، يدفع ثمناً مقابل ذلك. ثانياً، إن الحديث هو عن تبادل سكاني: وفعلاً، ما بين 550 إلى 710 آلاف عربي (الحساب الدقيق يعود للبروفيسور إفرايم كارش، الذي حسب ووجد أن عددهم يترواح بين 583 و- 609 آلاف )، غالبيتهم لاذوا بالفرار، قلة منهم طردوا بسبب الحرب، وهناك عدد أكبر،  يقارب نحو 850.000 يهودياً، طردوا أو فروا من الدول العربية، وهذه هي "النكبة اليهودية". ثالثاً، "الفلسطينيون" ليسوا وحدهم فقط في هذه الحكاية. وعمليات التبادل السكاني والطرد كانت النموذج خلال تلك السنوات. وقد حدثت عمليات تبادل سكاني في عشرات البؤر من النزاعات الأخرى، حيث خاض نحو 52 مليون شخص تجربة الاقتلاع، الطرد والنزوح ("والعالم يكذب"). رابعاً، في جميع سوابق عمليات التبادل السكاني، التي حدثت أثناء أو بعد انتهاء مواجهة مسلحة، أو على خلفية إقامة كيانات وطنية، أو تفكك دول متعددة القوميات وإقامة كيانات قومية –  لم تكن هناك عودة لاجئين إلى موطنهم السابق، الذي أصبح وطناً قومياً جديداً. النازحون واللاجئون، بدون استثناء تقريباً، وجدوا ملجأ في المكان الذي انضموا فيه لسكان ذوي خلفية مشابهة: فالألمان الإثنيون الذين طردوا من وسط وشرق أوروبا اندمجوا في ألمانيا، والمطرودون المجريون من تشيكوسلوفاكيا ومن أماكن أخرى وجدوا ملاذا في هنغاريا، والأكرانيون الذين طُردوا من بولندا وجدوا ملاذاً في أكرانيا – وهكذا دواليك. بهذا المفهوم، فإن القرابة بين العرب الذين أصلهم من فلسطين الانتدابية وبين جيرانهم في الأردن، سوريا ولبنان – كانت مشابهة، أو حتى أكبر، من القرابة التي كانت بين ألمان إثنيين كثيرين ودولة منشأهم في ألمانيا، وأحيانا بعد قطيعة استمرت طوال أجيال كثيرة.   
 
الدول العربية، وهي وحدها فقط، تصرفت بشكل مناقض لسائر دول العالم. حيث قامت بسحق اللاجئين، رغم أنهم كانوا من أبناء ديانتها ومن أبناء الأمة العربية. لقد طبقت نظام أبرتهايد بكل ما في الكلمة من معنى. وهكذا فإن "النكبة"، ولا بد من تذكر ذلك، لم تحدث نتيجة عملية النزوح وحدها، التي مر بمثلها عشرات ملايين البشر. بل "النكبة" هي حكاية الأبرتهايد والتنكيل الذي عانى منه اللاجئون العرب (لاحقا فقط تحولوا إلى "فلسطينيين") في البلدان العربية.  
 
مصر: 
خلال فترات كثيرة لم يكن هناك أي تمييز حقيقي وفعلي بين سكان مصر وبين سكان السهل الساحلي. هؤلاء وهؤلاء كانوا من المسلمين والعرب الذين كانوا يعيشون في ظل الحكم العثماني. وحسب الباحثة عروب العبد  كانت تربط بين المجموعتين علاقات في مجال التجارة، الهجرة المتبادلة والزواج، والتي اعتبرت بمثابة أمور روتينية. كثيرون من سكان يافا تم تعريفهم كمصريين، لأنهم وصلوا في إطار موجات هجرة كثيرة، مثل موجة الهجرة إلى يافا في أيام سيطرة محمد علي وابنه على أجزاء كثيرة من السهل الساحلي وغيره. إن سكان هذا الجزء من الامبراطورية العثمانية، الذي تحول إلى فلسطين الانتدابية، لم يكونوا ذوي هوية إثنية أو دينية مختلفة عن هوية عرب مصر.  
     
هناك تسجيلات مختلفة من نهاية عام 1949 تحدد أن قرابة 202.000 لاجيء قد وصلوا إلى قطاع غزة، بخاصة من يافا، بئر السبع والمجدل (أشكلون). ربما العدد مبالغ فيه، لأن فقراء محليين انضموا هم أيضاً إلى قائمة متلقي الإغاثة. وقد وصل اللاجئون إلى مكان كانوا فيه جزءاً من مجموعة الأغلبية، من جميع النواحي والجوانب: إثنياً، قومياً ودينياً. لكن هذا لم يكن رأي مصر. بداية، وفي أيلول / سبتمبر 1948 تمت إقامة "حكومة عموم فلسطين" برئاسة أحمد حلمي عبد الباقي. بيد أن هذه الحكومة كانت بمثابة منظمة ترعاها مصر في أعقاب خصومتها مع الأردن. هذه الحكومة، الفلسطينية ظاهرياً، لفظت أنفاسها بعد عقد من الزمن.
ماذا كان مصير سكان القطاع؟ وكيف عاملهم المصريون؟ الأمر العجيب والغريب هو أن لا أبحاث تقريباً تتناول تلك الأيام. لكن من الصعب بعض الشيء إخفاء هذا الماضي غير البعيد كثيراً.  قطاع غزة تحول إلى معسكر مغلق. الخروج من غزة كان شبه مستحيل. وقد فُرضت على الغزويين (من سكان أصليين ولاجئين) قيود متشددة بكل ما يتعلق بمجالات العمل، التعليم وغيرها.  في كل مساء كان يتم فرض حظر التجول حتى شروق الشمس في اليوم التالي. في مجال واحد فقط ساعدت مصر سكان القطاع بقدر ما تستطيع: توفير مواد تدريس شملت تحريضاً فظيعاً ضد اليهود. في عام 1950 قامت مصر بإبلاغ الأمم المتحدة أنه "بسبب عبء الزيادة السكانية"، لن يكون بالإمكان مساعدة الفلسطينيين من خلال توطينهم من جديد. لقد كانت هذه ذريعة مشبوهة. وقد أفشلت مصر اقتراحاً للأمم المتحدة يقضي بإعادة توطين 150.000 لاجيء في ليبيا. كما أن كثيرين من اللاجئين الذين فروا في مراحل مبكرة أكثر، وكانوا في داخل الأراضي المصرية، اضطروا هم أيضاً للانتقال إلى معسكر التجميع الهائل الذي أخذ ينشأ في قطاع غزة. في الواقع، فإن جميع مقترحات التسوية من أجل إعادة توطين اللاجئين الفلسطينيين، تم إفشالها من قبل الدول العربية.
      
على الرغم من الطوق المحكم، ثمة شهادات تروي ما حدث في قطاع غزة خلال تلك السنوات. الصحفية الأمريكية المعروفة، مارثا غيلهورن، قامت بزيارة مخيمات اللاجئين في عام 1961. وقد وصلت إلى قطاع غزة أيضاً. هذا لم يكن سهلاً. وتصف غيلهورن رحلة العذاب البيروقراطي التي مرت بها من أجل الحصول على تأشيرة دخول إلى القطاع، وأيام الانتظار التي قضتها في القاهرة. كما أنها تصف "التناقض الشديد بين لطف الموظفين وبين الدعاية اللاسامية التي كانت رائجة في القاهرة". "إن قطاع غزة ليس جُحراً"، تقول غيلهورن، "وإنما سجن واحد كبير، والحكومة المصرية هي سجانه". غيلهورن تصف حكماًً عسكرياً صارماً، في ظله تعبرجميع قيادات سكان القطاع عن مواقف ناصرية متعصبة. هكذا وعلى سبيل المثال، "طوال 13 عاماً (1948 – 1961)، حصل 300 لاجيء فقط على تأشيرة خروج مؤقتة". إن الأمر الوحيد الذي وفره المصريون للفلسطينيين هو دعاية الحقد والكراهية.  
    
هذه ليست الشهادة الوحيدة. في عام 1966 نشرت صحيفة سعودية رسالة من أحد سكان قطاع غزة:
" كان يسرني لو أنه تم احتلال قطاع غزة بأيدي إسرائيل، هكذا كنا نعلم على الأقل أن من يُدنس كرامتنا، يمس بنا ويعذبنا – هو المضطهد الصهيوني، بن غوريون، وليس أخاً عربياً اسمه عبد الناصر. اليهود تحت حكم هتلر لم يعانوا مثلما نعاني نحن تحت حكم عبد الناصر. من أجل الخروج إلى القاهرة أو الاسكندرية أو مدن أخرى، علينا أن نمر برحلة طويلة من العذاب".
   
كما بث راديو جدة في السعودية الأقوال التالية: 
"إننا نعي القوانين التي تحظر على الفلسطينيين العمل في مصر. علينا أن نسأل القاهرة، ما هذا الستار الحديدي الذي أقامه عبد الناصر وجماعته حول القطاع واللاجئين؟ إن الحاكم العسكري في غزة يمنع كل عربي من السفر إلى القاهرة بدون تصريح عسكري، يسري مفعوله لمدة 24 ساعة فقط. تخيلوا أيها العرب، كيف أن عبد الناصر، الذي يدعي أنه حامل راية الوحدة العربية، يعامل عرب غزة البؤساء الذين يتضورون جوعاً،  فيما يتمتع الحاكم العسكري وضباطه بالثراء في القطاع".  
 
حتى بافتراض أن الحديث هو عن وصف مبالغ فيه، في إطار الصراع القائم بين السعودية وعبد الناصر، فإننا نبقى مع نظام قمع حكم لمدة عقدين. ومن الجدير الانتباه والإشارة إلى حقيقة إضافية – حين وصلت إسرائيل إلى قطاع غزة، كان متوسط العمر هناك 48 عاماً. بعد أكثر من عقدين بقليل، ارتفع متوسط العمر إلى 72 عاماً، وتجاوز متوسط العمر حتى في مصر نفسها. إن هذا الأمر يوضح الهاوية التي كان فيها قطاع غزة أيام الحكم المصري أكثر مما يمنح نقاطاً  إضافية لصالح إسرائيل.     
لاجئون من فلسطين الانتدابية كانوا يعيشون في مصر نفسها أيضاً. كثيرون منهم لم يشعروا كفلسطينيين إطلاقاً وكانوا يفضلون الانصهار في صفوف المصريين. لكن المصريين منعوهم من ذلك.  باستثناء فترة قصيرة اعتبرت بمثابة "العصر الذهبي"، خلال جزء من سنوات حكم عبد الناصر، والتي لم تشمل لاجئي القطاع، عانى من كانوا يعيشون في مصر أيضاً من القيود في مجال شراء العقارات، ممارسة مهن معينة والتعليم (على سبيل المثال، منع إقامة مدرسة فلسطينية). إن قانون المواطنة (الجنسية) المصري يتيح منح المواطنة لمن كان أبوه مصرياً، ولاحقاً تم توسيع القانون ليشمل كل من كانت أمه مصرية.  لكن وعلى أرض الواقع،  فُرضت قيود على من اعتبر فلسطينياً. حتى قرارات الجهاز القضائي المصري بإلغاء هذه القيود لم تجد نفعاً. إن نظام الحكم الجديد في مصر قد وعد مؤخراً بالتغيير. وهذا التغيير، حتى لو حدث، لا يمكنه محو سنوات طويلة من التمييز، الذي بلغ حتى درجة العقاب الجماعي.  هكذا وعلى سبيل المثال، في عام 1978 اغتيل في قبرص وزير الثقافة المصري، يوسف السباعي، على يدي أحد رجال مجموعة أبو نضال. ورداً على ذلك، عانى الفلسطينيون من موجة جديدة من الاعتداءات، كما جدد البرلمان المصري التشريعات التي تفرض قيوداً على  الفلسطينيين في مجال خدمات التعليم والعمل.   
 
 
الأردن:
على غرار الهوية الواحدة والوحدة التي تجمع بين عرب يافا وجنوبي إسرائيل وبين عرب مصر، هناك هوية مشابهة تجمع بين عرب الضفة الغربية وبين عرب الأردن. هكذا وعلى سبيل المثال، فإن البدو من أبناء عشيرة آل المجالي من منطقة الكرك، هم في الأصل من سكان منطقة الخليل. وفي أيام الامبراطورية العثمانية، كانت منطقة عبر الأردن الشرقية جزءاً من ولاية دمشق، مثلها كمثل أجزاء أخرى أيضاً مما أصبح لاحقاً منطقة تخضع لرعاية الانتداب البريطاني. إن المنطقة المسماة اليوم الأردن كان من شأنها أن تكون وفق وعد بلفور جزءاً من الوطن القومي للشعب اليهودي.         
 ضائقة اللاجئين الأولية على ضفتي نهر الأردن كانت فظيعة.  في منطقة نابلس على سبيل المثال، كان يحكم جنود عراقيون، وتروي الشهادات عن أن "جنوداً عراقيين يأخذون أولاد الأغنياء وغيرهم لممارسة أعمال الفسق، وفي اليوم التالي يعيدون الأولاد إلى عائلاتهم، وأن السكان يسجنون بين الحين والآخر". فعلاً، هذا هو التضامن العربي.  
 
الدولة الأردنية، هكذا كان يبدو، عاملت اللاجئين بشكل مغاير. إذ ووفق القانون الأردني من عام 1954، فإن كل لاجيء كان يمكث بين السنوات 1948 – 1954 داخل الأراضي الأردنية كان يستحق الحصول على  حق المواطنة. بيد أن هذه كانت الواجهة الخارجية فقط.  فيما يلي وصف الواقع الذي كان سائداً في ظل الحكم الأردني بالضفة الغربية: 
"لم ننس ولن ننسى أبداً طبيعة الحكم الذي أذل كرامتنا وسحق أحاسيسنا البشرية. الحكم الذي كان مبنياً على التعذيب الشديد وعلى نعال رجال البادية، لقد عشنا فترة طويلة تحت مذلة الوحدة العربية، ومن المؤلم أن نقول، كان يتوجب علينا انتظار الاحتلال الإسرائيلي لندرك معنى معاملة المواطنين بصورة إنسانية".   
بما أن الأمور قد تبدو أشبه بدعاية من نشرة علاقات عامة ل"سلطة الاحتلال"، يُشار إلى أن هذه الأقوال قد نُشرت باسم زوار من الضفة الغربية، في مقابلة لصحيفة "الحوادث" اللبنانية بتاريخ 23.4.71.    
 
وكما هو الحال في جميع الدول العربية الأخرى، فإن الدولة الأردنية لم تفعل أي شيء من أجل تفكيك مخيمات اللاجئين. وفي حين استوعبت إسرائيل مئات آلاف اللاجئين من الدول الأوروبية والدول العربية في مخيمات مشابهة ("معبروت")، ومرت بعملية مؤلمة من إعادة تأهيلهم، بناء بلدات جديدة لهم وتفكيك المخيمات، فإن الأردن تصرفت بشكل عكسي، ومنعت عملية إعادة تأهيل اللاجئين. خلال هذين العقدين من الزمن، لم تتم إقامة ولو مؤسسة تعليم عالي واحدة في الضفة الغربية. وقد بدأ ازدهار التعليم العالي في السبعينيات، بعد قدوم الحكم الإسرائيلي.  
 
حتى المواطنة (الجنسية) التي مُنحت إلى اللاجئين، كانت بأساسها ظاهرية فقط. ورغم كون الفلسطينيين يشكلون أكثر من 50% من سكان الأردن، فإنهم يحظون ب- 18 مقعدا فقط من أصل 110 مقاعد في مجلس النواب الأردني، وب- 9 مقاعد من أصل 55 مقعداً في مجلس الأعيان الذي يقوم الملك بتعيين أعضائه.  لا بد من التذكير أيضاً،  بأنه خلال شهر واحد، في أيلول/سبتمبر 1970، وخلال مواجهة واحدة، قتلت الأردن عدداً من الفلسطينيين يفوق عدد كل الفلسطينيين الذين أصيبوا طوال 43 عاماً من الحكم الإسرائيلي في الضفة الغربية وقطاع غزة. 
 
سوريا:
في عام 1919 عُقد في القدس أول مؤتمر للجمعيات، الدورة الأولى للمؤتمر العربي الفلسطيني. وقد تقرر خلال المؤتمر أن فلسطين، التي تم احتلالها للتو من قبل بريطانيا، هي سوريا الجنوبية – وهي جزء لا يتجزأ من سوريا الكبرى. خلال سنوات الانتداب ازدادت الهجرة من سوريا إلى مناطق الانتداب البريطاني. مثال على ذلك، عائلة الحوراني،  التي وصلت من منطقة حوران في سوريا، وغيرها. إن فكرة "سوريا الكبرى"، التي تشمل فلسطين الانتدابية، تجد تعبيراً لها في تدخل متزايد من قبل السوريين سواء في مجريات الثورة العربية الكبرى أو في أعمال العصابات التي وصلت من سوريا أثناء حرب الاستقلال. اللاجئون إذن، لم يكونوا غرباء من ناحية سياسية، دينية أو إثنية.  العكس هو الصحيح.  ومصيرهم، ما كان من شأنه أن يكون مختلفاً عن مصير مجموعات إثنية أخرى، طُردت إلى أماكن تشكل فيها غالبية قومية وثقافية.  
 
ما بين 70 إلى 90 ألف لاجيء فلسطيني وصلوا إلى سوريا، معظمهم من صفد، حيفا، طبريا وعكا.  وفي عام 1954 مُنحوا حقوقاً جزئية، لم تشمل حقوقاً سياسية. حتى عام 1968 حُظرت عليهم حيازة الممتلكات. رغم أن القانون السوري يُمكن كل مواطن عربي من الحصول على المواطنة السورية، بشرط أن يكون مكان إقامته الدائم  في سوريا، وأن يملك القدرة المثبتة على إعالة نفسه اقتصادياً. بيد أن الفلسطينيين هم وحدهم المستثنون من تطبيق هذا القانون. وحتى لو كانوا سكاناً دائمين ومن أصحاب الإمكانيات – فإن القانون يمنعهم من الحصول على المواطنة.    
ثلاثون بالمئة فقط ممن يعتبرون حتى الآن لسبب غير معروف بمثابة"لاجئين فلسطينيين في سوريا"، يسكنون في مخيمات لاجئين. عملياً، كان يجب أن يكونوا ومنذ زمن مواطنين سوريين لكل شأن وأمر. لقد كانوا جزءاً من الهوية القومية العربية، تربط فيما بينهم أواصر وعلاقات عائلية، وكان من المفترض أن يتم  دمجهم في الحياة الاقتصادية. على الرغم من ذلك، ونتيجة غسيل دماغ سياسي، فإنهم يبقون في سوريا كجسم غريب، تراودهم أحلام يقظة "حق العودة"، مع تكريس حالتهم الوضيعة. معظمهم موجودون في قاع سلم العمل، في مجال الخدمات (41%) وفي مجال البناء (27%).  لكن لا مثيل لمجال التعليم من أجل توضيح وضعهم.  23% منهم لا يصلون إطلاقاً إلى المدارس الابتدائية، و- 3% فقط يصلون إلى مرحلة التعليم الأكاديمي  
 
 
لبنان:
لقد عانى الفلسطينيون في قطاع غزة بسبب الحكم المصري لمدة عقدين من الزمن فقط. أما في لبنان،  فالأبرتهايد مستمر حتى يومنا هذا. والنتيجة هي الفقر، الإهمال والبطالة المتفاقمة. حتى عام 1969، كانت مخيمات اللاجئين تخضع لسيطرة عسكرية صارمة من قبل الدولة اللبنانية. وحسب وصف مارثا غيلهورن، فإن غالبية اللاجئين كانوا يعيشون في حالة معقولة. حتى أن كثيرين قد حسنوا من مستوى معيشتهم مقارنة بأيام ما قبل "النكبة". إلا أنه في عام 1969 تم توقيع اتفاقية القاهرة التي نقلت السيطرة في المخيمات إلى أيدي اللاجئين أنفسهم ما أدى إلى تفاقم أوضاعهم فقط. إذ سيطرت المنظمات الإرهابية على المخيمات، الأمر الذي حولها إلى حلبة صراعات، عنيفة بشكل خاص، بين التيارات الفلسطينية المختلفة.    
 
بحث جديد نشر في كانون الأول/ ديسمبر 2010 يعرض معطيات تحول قطاع غزة إلى جنة عدن بالمقارنة مع الأوضاع في لبنان. لقد كان فعلاً هنا وهناك بعض ما نشر حول الوضع  في لبنان. لكن وبقدر ما نعلم، لم يتم تسجيل أي احتجاج عالمي، ولا حتى قافلة سفن تركية أو دولية واحدة  بهذا الشأن.  
بخلاف سوريا والأردن، واللتين فيهما معظم المعرفين كلاجئين لا يعيشون بعد في مخيمات لاجئين، فإن ثلثي الفلسطينيين في لبنان ما زالوا يعيشون في مخيمات لاجئين، هي بمثابة "جيوب خارج سيطرة الدولة". المعطى الأكثر إذهالاً هو أنه على الرغم من تسجيل نحو 425.000 شخص في الأونروا كلاجئين، وجد البحث أن 260 إلى 280 ألف فلسطيني فقط يعيشون في لبنان. والتناقض هو أن الأونروا تحظى بتمويل من أجل أكثر من 150 ألف شخص، لا وجود لهم على الإطلاق في لبنان. هذا المعطى وحده كان يجب أن يؤدي إلى إجراء تحقيق جدي من قبل الدول الممولة (بخاصة الولايات المتحدة وأوروبا)- لكن لا احتمال لحدوث ذلك. فقضية اللاجئين مشبعة بالكثير من التضليلات والأكاذيب، لدرجة أن كذبة أخرى لن تغير أي شيء تقريباً. وهكذا يمكن للأونروا أن تطلب من المجتمع الدولي ميزانية من أجل 425.000 شخص، علماً أنه يوجد توجيه في موقعها إلى بحث يحدد أن الحديث هو عن عملية زيف واختلاق. 
 
يعاني اللاجئون حسب البحث من بطالة تبلغ نسبتها 56%. ويبدو أن هذه هي أعلى نسبة بطالة ليس في صفوف الفلسطينيين فحسب، وإنما في العالم العربي بأسره. حتى الذين يعملون، يتواجدون في أسفل سلم العمل. 6% فقط من المدرجين ضمن القوى العاملة يحملون لقباً أكاديمياً ما (مقابل 20% من القوى العاملة في لبنان). النتيجة هي، أن 66% من الفلسطينيين في لبنان يعيشون تحت خط الفقر، الذي تحدد ب – 6 دولارات للشخص يومياً. هذا العدد هو ضعف عدد اللبنانيين.  
 هذا الوضع الكئيب هو نتيجة أبرتهايد بكل ما في الكلمة من معنى. إذ هناك سلسلة من القوانين في لبنان تفرض قيوداً على الحق في تلقي المواطنة، حيازة الممتلكات والعمل في مجالات مختلفة مثل القضاء، الطب، الصيدلة، الصحافة وغيرها. في شهر آب/ أغسطس 2010،  تم إدخال تعديل محدد على قانون العمل، لكن وفي الواقع، فإن هذا التعديل لم يؤد إلى أي تغيير حقيقي. هناك تعليمات قانون آخر تمنع إدخال مواد البناء إلى مخيمات اللاجئين. وثمة تقارير حول اعتقالات وعمليات هدم بيوت نتيجة لأعمال البناء في داخل مخيمات اللاجئين. إن الحظر الجزئي والمحدد الذي فرضته إسرائيل على إدخال مواد البناء إلى قطاع غزة، مرده  إطلاق القذائف والصواريخ على التجمعات السكانية المدنية الإسرائيلية. وبقدر ما نعلم، لم يفرض الحظر في لبنان بأعقاب عمليات إطلاق قذائف مشابهة باتجاه التجمعات السكانية المدنية هناك. وعلى الرغم من ذلك، مرة أخرى، باستثناء تقارير جافة لمنظمات حقوق الإنسان، هي بمثابة "لهم مسموح"، لم يتم تسجيل أي احتجاج جدي، ولم يُعقد أي "أسبوع أبرتهايد" ضد لبنان.
 
 
الكويت:
في عام 1991 كان الفلسطينيون يشكلون 30% من سكان هذه الدولة. ومقارنة مع دول عربية أخرى، كانت حالتهم هناك معقولة ومقبولة. غير أن صدام حسين قام بغزو الكويت. وفي إطار محاولات التسوية التي سبقت حرب الخليج الأولى، قدم صدام "اقتراحاً" يقضي بانسحابه من الكويت مقابل انسحاب إسرائيل من قطاع غزة والضفة الغربية. اقتراح حظي بتأييد منظمة التحرير الفلسطينية وياسر عرفات على رأسها. هذا التأييد كان المؤشر للبدء بأحد أقسى الأحداث في التاريخ الفلسطيني. فبعد تحرير الكويت من الاحتلال العراقي، بدأت حملة ضد الفلسطينيين، شملت ملاحقات، اعتقالات ومحاكمات استعراضية. لتنتهي هذه  الملحمة المؤلمة بطرد 450.000 فلسطيني. بعضهم، بالمناسبة، كانوا يعيشون هناك منذ الثلاثينيات، ولكثيرين منهم لم تكن أية صلة أو علاقة بتأييد ياسرعرفات لمواقف صدام حسين. رغم ذلك، كان مصيرهم المعاناة من عقاب جماعي، وعملية ترحيل تشبه بأحجامها "النكبة" الأصلية من عام 1948، وهو أمر بالكاد حظي بالإشارة إليه من قبل وسائل الإعلام العالمية. هناك عدد لا يحصى من المنشورات والأبحاث الأكاديمية حول عمليات طرد وفرار الفلسطينيين في عام 1948. وهناك صفر من الأبحاث والمنشورات حول "نكبة" الفلسطينيين في  عام 1991.   
 
* * *
 
هذه هي الدول الرئيسية التي يتواجد فيها اللاجئون. لكن الأبرتهايد يحتفل في دول أخرى أيضاً. في السعودية كذلك لم يحظ اللاجئون من فلسطين الانتدابية بحق المواطنة. وقد أعلنت السعودية عام 2004 عن تسهيلات بشأن المواطنة، لكنها أوضحت أن هذه التسهيلات لا تشمل الفلسطينيين. الأردن أيضا تمنع مواطنة 150.000 لاجي، معظمهم بالأصل من قطاع غزة. أما في العراق فقد حصل اللاجئنون على تفضيل بالذات، في ظل قيادة صدام حسين، لكن منذ سقوط نظامه، أصبحوا إحدى أكثر المجموعات مطاردة وملاحقة. مرتان، سواء على الحدود الليبية – المصرية، أو على الحدود السورية – العراقية، مكث آلاف الفلسطينيين المطرودين في مخيمات مؤقتة، حين لم توافق أية دولة عربية على استقبالهم. هذا الأمر كان بمثابة عرض مذهل "للتضامن العربي" بأداء "الأمة العربية". والحال مستمر. هناك فلسطينيون من ليبيا، من لاجئي الحرب الأهلية، يصلون خلال هذه الأيام إلى الحدود مع مصر، التي ترفض السماح لهم بالدخول إلى أراضيها.      
مرة تلو أخرى رفضت الدول العربية اقتراحات لتوطين اللاجئين من جديد، رغم أنه كان هناك مكان وحاجة إلى ذلك. والموكب مستمر. في عام 1995 قرر حاكم ليبيا، معمر القذافي، طرد 30.000 فلسطيني، فقط لأنه اغتاظ من اتفاقيات أوسلو، من منظمة التحرير الفلسطينية، ومن حقيقة إقامة السلطة الفلسطينية. طبيب فلسطيني، وهو الدكتور أشرف الحزوز، أمضى 8 سنوات في السجن الليبي (سوية مع ممرضات بلغاريات)، بتهمة لا أساس لها من الصحة وهي نشر عدوى الإيدز. في آب / أغسطس 2010، قبل الثورة الحالية بعد، شرعت ليبيا قوانين تحول حياة الفلسطينيين في ليبيا إلى مستحيلة. وقد حدث هذا تماماً في الأيام التي أرسلت ليبيا فيها  "سفينة مساعدات إنسانية" إلى قطاع غزة. ألا توجد حدود للنفاق؟!    
الأمور التالية هي ملخص من الأبرتهايد ضد الأقليات في العالم العربي بشكل عام، وضد الفلسطينيين بشكل خاص. إلا أنه ثمة فارق. ففي حين أن الأقباط في مصر أو الأكراد في سوريا هم أقليات فعلاً، فإن العرب من فلسطين الانتدابية كان يفترض بهم أن يكونوا جزءاً لا يتجزأ من الأمة العربية. هناك  إثنان من رموز النضال الفلسطيني ولدا في مصر وهما – إدوارد سعيد وياسرعرفات. وكلاهما حاولا فبركة فلسطين كوطن لهما. وهناك إثنان آخران من رموز النضال البارزة لدى عرب فلسطين في عهد الانتداب هما فوزي القاوقجي (الذي نافس المفتي على قيادة النضال العربي ضد البريطانيين) وعز الدين القسام. الأول لبناني والثاني سوري. ما من أي شيء غريب في ذلك. لأن النضال كان عربياً، وليس فلسطينياً. وعلى الرغم من ذلك، أصبح عرب فلسطين الانتدابية أكثر مجموعة مذلولة وملفوظة في أعقاب الهزيمة العربية في عام 1948. في الغالبية المطلقة من حالات الوصف لتلك السنوات كان الحديث يدور عن عرب وليس عن فلسطينيين. فيما بعد، وفيما بعد فقط، أصبحوا "فلسطينيين". 
 
كانت الدول العربية تعرف جيداً أن معاملتها للاجئين من فلسطين الانتدابية لا يمكن وصفها بأقل من مخزية وفاضحة. لهذا الغرض وقعت في عام 1965 على "بروتوكول الدار البيضاء"، الذي كان من شأنه منح الفلسطينيين بعض الحقوق في مجال العمل والتحرك، لكن ليس حق المواطنة. إلا أنها ومثل وثائق كثيرة من هذا النوع، هذه الوثيقة أيضاً  لم تغير من واقع الحال شيئاًً. والتنكيل مستمر.   
 
على صعيد المقارنة، يتضح أن المجموعة الفلسطينية التي مرت بأهم عملية نمو اقتصادي كانت تلك الموجودة تحت الحكم الإسرائيلي –  سواء كان الحديث عن عرب إسرائيل الذين حصلوا على المواطنة الإسرائيلية، وأوضاعهم أفضل بكثير، أو عن عرب المناطق. ومقارنة بظروف الحياة الصعبة في لبنان وسوريا، وقبل ذلك في مصر وقطاع غزة أيضاً، تمتع الفلسطينيون في ظل حكم إسرائيل، ابتداءاً من عام 1967، بارتفاع دائم في مجالات مستوى المعيشة، أماكن العمل، الخدمات الصحية ومتوسط العمر، وبانخفاض دراماتيكي طرأ على نسبة وفيات الأطفال، ناهيك عن الازدهار الهائل في مجال التعليم العالي.      
هكذا كان الحال، وعلى سبيل المثال،  في جميع المناطق التي استولت عليها إسرائيل في عام 1967 لم تكن هناك مؤسسة واحدة للتعليم العالي. لكن في السبعينيات بدأت تنشأ المؤسسات الأكاديمية الواحدة تلو الأخرى، واليوم يوجد ما لا يقل عن 16 مؤسسة للتعليم العالي. كما أن عدد الطلبة في حالة ازدياد متواصل منذ ثلاثة عقود، بما في ذلك خلال سنوات انتقاضة العقد الأخير. لقد تحول الفلسطينيون خلال ستة عقود، والفلسطينيون الموجودون تحت الحكم الإسرائيلي فقط، إلى مجموعة فيها نسبة التعليم هي الأعلى في العالم العربي.  
 
هكذا هو الحال في المجال السياسي أيضاً. فبعد عشرات السنين من القمع السياسي، تطور الوعي الوطني الفلسطيني في ظل الحكم الإسرائيلي بالذات. طوال عقدين من الزمن بعد حرب الاستقلال، كان بإمكان العرب إقامة دولة فلسطينية في قطاع غزة والضفة الغربية. لكنهم لم يفعلوا ذلك. حتى وصلت إسرائيل، وحررتهم من قمع عقدين. هذا لا يجعل الاحتلال أمراً مرغوباً فيه. وهذا لايعني بأنه لم تكن هناك حالات إجحاف وطرد. لقد كانت وكانت. لكن يبدو بعد أول عقدين من "النكبة"، أن عهد الحكم الإسرائيلي بالذات هو من أدى إلى ازدهار وإلى نمو هائل في جميع المجالات. من المسموح والواجب انتقاد الجوانب السلبية للاحتلال. لكن من المسموح والواجب التذكير بالجانب المنسي أيضاً.      
 
خلال عشرات السنوات الأخيرة تمت مرة تلو أخرى تنمية الكذبة بشأن مسؤولية إسرائيل عن ضائقة الفلسطينيين. لهذا يجدر بنا وضع الأمور في نصابها الصحيح. لقد مر الفلسطينيون بتجربة قاسية من النزوح واللجوء. غالبيتهم لاذوا بالفرار، وبعضهم تم طرده.  لكن تجربة من هذا النوع، ونحن نقول ذلك مرة أخرى، هي تجربة مر بها عشرات ملايين الأشخاص.  بيد أن الفارق يكمن في أن جميع عشرات ملايين الأشخاص الآخرين قد تم استيعابهم في البلدان التي وصلوا إليها. لكن هذا لم يكن الحال بالنسبة للفلسطينيين. فقد مروا برحلة عذاب ملؤها القمع، التنكيل والحرمان من الحقوق. وقد كان هذا من صنع أيدي الدول العربية، التي قررت تكريسهم على حالتهم.  مقترحات كثيرة لحل مشكلة اللاجئين وتوطينهم من جديد رفضت مراراً وتكراراً. والجرح المفتوح ازداد عمقاً. مرة تلو أخرى ادعى العرب أنفسهم بأن العرب هم أبناء أمة واحدة. إذ أن الحدود بين الدول، ولا خلاف على ذلك، هي من اختلاق الحكم الاستعماري. حيث لا يوجد أي فارق، لا إثني, ولا ديني ولا ثقافي ولا قومي بين عرب يافا وغزة وبين عرب العريش وبور سعيد، أو بين عرب صفد وطبريا وبين عرب سوريا ولبنان. رغم ذلك، تحول اللاجئون العرب إلى ضحية العالم العربي القسرية.  إن "حق العودة"، الذي هو بالأساس اختراع دعائي، أصبح مطلباً إنذاريا نهائياً. وقد استترت وراء هذا المطلب، وما زال تستتر نية واحدة ووحيدة: ألا وهي تصفية دولة إسرائيل. وزير الخارجية المصري، محمد صلاح الدين بك، سبق له أن قال في عام 1949 إن "مطلب حق العودة قد أعد في الواقع من أجل تحقيق هدف تصفية إسرائيل".  هكذا كان الحال أيضاً في مؤتمر اللاجئين الذي عقد عام 1957 في مدينة حمص السورية، حيث تم الاعلان عن أن "كل نقاش لقضية اللاجئين لا يضمن الحق بتصفية إسرائيل سيعتبر بمثابة تدنيس لكرامة الأمة العربية وخيانة لها". ما من خلط هنا بين "حق العودة" و"حق التصفية". فالحديث هو عن نفس "الحق". أمور مشابهة حول عودة الهدف منها تصفية إسرائيل قالها في عام 1988 صخر حبش، مستشار ياسرعرفات. هكذا كانت أيضاً،  خلال تلك الأيام، حملة ال- BDS (المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات)، التي جاءت بمظهر حملة مثقفين، لكن برنامجها المؤيد ل"حق العودة"، وزعماؤها، مثل عمر البرغوثي، يوضحون بأن الهدف الحقيقي هو تصفية إسرائيل.
   
في عام 1952 قال ألكسندر غالوي، وهو موظف رفيع المستوى في الأونروا: " إن الدول العربية لا تريد أن تحل مشكلة اللاجئين. بل تريد أن تبقيها جرحاً مفتوحاً، كسلاح ضد إسرائيل. والحكام العرب لا يبالون إطلاقاً إذا عاش اللاجئون أو ماتوا". إن علم تدوين وقائع التاريخ الفلسطيني، وبصورة عامة الأكاديمي منه أيضاً، قام بمحو سلسلة تفوهات من هذا النوع، مثلما قام بمحو حقيقة استيعاب عشرات ملايين اللاجئين في أماكن أخرى، ومثلما قام بمحو "النكبة اليهودية"، وحكاية اقتلاع وطرد يهود البلدان العربية، ومثلما قام بمحو حكاية الأبرتهايد العربي. لكن الحقيقة لا بد أن تُقال. فعلاً كانت هناك نكبة. لكنها نكبة مسجلة بأساسها على اسم الأبرتهايد العربي.