الاسلام بين الاصولية والتجديد (الجزء الاول )

أقلام القراء / الكاتب المحامي / أحمد البكري

((الفكر لايمكن مصادرته والعقيدة يستحيل سجنها والعنف يولد العنف ، أفلا نرحم انفسنا حتى نستحق رحمة الله وحتى يكون غيرنا أرحم بنا ؟)) طه حسين.

 

لا يختلف اثنان بان الدين الاسلامي تم اختطافه من بعض رجال الدين الذين فرضوا على الناس مذهبهم بزعم انه مذهب الفرقة الناجية وغيرهم على ضلالة ،كما حاصروا اهل المذاهب الاسلامية والاديان الاخرى وضيقوا عليهم بحجة ان مذهبهم وحده الذي يملك الحقيقة دون غيرهم ونبذوا الاراء المخالفة لهم مما أدى الى نشوء جيل جديد مثلهم يرفض الرأي الاخر ويحاربه بالسلاح ولايقبل النقد لانه فوق مستوى النقد ،اضافة الى ان النقد عندهم هو تطاول على الدين حتى جعل البعض منهم يحملون السلاح ويفخخون انفسهم ويقومون بعمليات ارهابية استهدفت المواطنين الابرياء من المسلمين وغير المسلمين .

ان الاحداث الجارية والواقع المرير الذي تمر به شعوب منطقة الشرق الاوسط من قتل ودمار وتكفير جماعة لاخرى هو الذي دفعنا لكتابة هذا الموضوع ،فليس من الصواب ان نعيش في القرن الواحد والعشرين ولازلنا نكفر بعضنا البعض او ندعي اننا لوحدنا نحتكر الحقيقة وان الاخرين لايملكون سوى الضلال وان الجنة ملك لنا والجحيم ملك للاخرين .

لقد انتعشت الاصولية الاسلامية في بداية القرن العشرين مع ظهور حركة الاخوان المسلمين كحركة دينية اصولية سرعان ماتحولت الى أصولية دينية سياسية تهدف الى تغيير المجتمع والعودة به الى نهج السلف الصالح(وهي بهذا تلتقي مع السلفية) والسعي لاقامة دولة الخلافة الاسلامية (بعد سقوطها في تركيا ) مما نتج عنه اصطدامها بالانظمة العربية في الدول التي ظهرت فيها وهي مصر وبلاد الشام ، والملاحظة الغريبة ان نشوء الاصولية الاسلامية لم يرتبط برجال الدين ولم تتشكل منهم حيث ان ابرز المؤسسين لها وهو سيد قطب وابو الاعلى المودودي كانوا على علاقة وثيقة بالفكر الغربي ومن حملة الشهادات التخصصية. اهتمت الاصولية بادئ الامر بالمنظمات غير الحكومية والتجمعات الحزبية والعمل السياسي الجماعي وكل ما من شأنه ان يصبح قوة فاعلة لقيام الدولة الاسلامية ،كما اختطت لنفسها نهجا في تفسير القران يرفض رفضا قاطعا التفسير التأريخي للنصوص المقدسة من قران وسنة نبوية مما جعلها تقف عاجزة عن التفسير امام بعض نصوص القران المختلفة في المواقف بالنسبة للديانات الاخرى كاليهودية والمسيحية ،فهناك ايات تمتدح بني اسرائيل أيام كانت الرسالة النبوية ضعيفة في مكة ((ولقد اتينا بني اسرائيل الكتاب والحكم والنبوة ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على العالمين ))الجاثية 16 ، في حين هناك نصوص تهاجم اليهود وتمتدح المسيحية بعد هجرة النبي الى المدينة المنورة وتصاعد قوة الاسلام (( لتجدن اشد الناس عداوة للذين امنوا اليهود والذين اشركوا ولتجدن أقربهم مودة للذين امنوا الذين قالوا انا نصارى ))المائدة 82 ، وقد طالب بعض المفكرين العرب الليبراليين باعادة تفسير القران الكريم وفق الظروف التأريخية التي نزلت بسببها تلك الايات مما اعتبره بعض جهلاء الاصولية انها مطالبات بالغاء بعض النصوص الدينية ،وقد أدى ذلك التشدد الى التسبب في صدام الغرب مع الاسلام والاسلام مع الغرب والسبب ليس الاسلام نفسه ولكن مفسري النصوص الدينية المقدسة الذين شكلوا اسلاما جديدا يعتمد على هذه التفاسير الخاطئة .

لقد سعت الاصولية ومنذ نشأتها الى العنف كوسيلة فعالة لتغيير المجتمع وأنظمة الحكم سعيا منها الى تحقيق احلامها في السيطرة وفرض دولة الخلافة الاسلامية بالقوة حيث حاولوا الاستيلاء على السلطتين الدينية والسياسية على الطريقة الخمينية باعتبار ان الدين والدولة أمر واحد لافرق ولا تمييز بينهما ،وأصبح موضوع السلطة هي الفكرة الاصلية التي توجه سلوكهم وتتحكم به أما مسألة الدين والتدين فهي ثانوية مقارنة مع رغبتهم الجامحة في الوصول الى السلطة بأي ثمن حتى لو كان بسط تلك السلطة على قطعة أرض صغيرة تقام فيها دولتهم ويطبق فيها شرعهم الغريب عن الاسلام التقليدي الذي نعرفه ،كما هو الحال عليه الان مع حماس في غزة أو حزب الله في جنوب لبنان ،حيث نرى ان حماس استماتت في صراع وقتال داخلي دموي للسيطرة على غزة وراحت تطبق شرعها وقانونها على السكان بما يتلائم وغاياتها .

ان ظهور الاصولية الاسلامية ونشوئها وتمددها في البلدان العربية هو نتاج أزمة ثقافية سببها التعليم الديني والقهر السياسي والكبت الاجتماعي والاحساس بالظلم وطغيان الانظمة الحاكمة ،فالاصولية هي أزمة ثقافية عربية بأمتياز وتطرح تحديات ثقافية جدية كونها ترفض الأعتراف بالحداثة والبحث العلمي والابداع الادبي والفني بل تصفها بالردة عن الاسلام كون الحداثة تغلب العقل على النقل في حين تتمسك الاصولية بالنص .

 ان المقالات المدونة في هذه الخانة تعبر عن اراء اصحابها, ولا تلزم الموقع بمحتواها

3 תגובות

כתיבת תגובה

האימייל לא יוצג באתר. שדות החובה מסומנים *