إسرائيل بالعربية / أقلام القراء / بقلم جمال مزراحي

أثارت التحركات الروسية في سوريا قلق الأوساط الدولية وتحديدا الولايات المتحدة بوتين واوباماالأمريكية فالمحاولات لا زالت تجري اليوم على قدم وساق من قبل الطرف الروسي لإنشاء قاعدة جوية في سوريا وتحديدا جنوب اللاذقية (معقل أنصار بشار الأسد) فضلا عن إرسال سبع دبابات من طراز تي- 90 وانتشار 200 جندي روسي (الذين لا يمكن ان نسميهم مستشارين أمنيين كما يدعي المراقبين الروس! ) . ولكن هذا التصعيد الخطير في هذا التوقيت قد يعطي أبعادا ملموسة يمكن ان تنعكس على مستقبل الأزمة السورية وهي كالتالي :
أولاً: تدارك الروس بأن النظام السوري قاب قوسين أو أدنى من الانهيار بعد الانكسارات الأخيرة التي تلقاها عناصره على يد المسلحين ناهيك عن دك المتطرفين أبواب دمشق المعقل الأخير للرئيس السوري "بشار الأسد ".

ثانيا: إعطاء رسالة الى الولايات المتحدة والناتو بأن موسكو لن تتخلى عن دعمها للنظام السوري وهي مستعدة لكل ما هو مستجد قد يطرأ مستقبلا وخصوصا بأن الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" قد صرح بدعمه للنظام في سوريا في أكثر من مناسبة .

ثالثا: رغبة روسيا بإدامة الصراع الدائر في سوريا وهذا يعني استمرار الحروب التي لا يمكن ان تكون نتائجها غير المزيد من الفوضى والدمار الذي لا زال ماثلا الى اليوم فكل ما امتد الصراع أكثر كان ذلك يعني استمرار النظام في البقاء لأطول فترة ممكنة وهكذا …
وهذه الأبعاد التي ذكرناها قد تلغي المزاعم التي يتشدق بها الساسة الروس بأنهم كثفوا نشاطهم العسكري في سوريا لصد تقدم تنظيم( داعش ) الإرهابي بالرغم اننا لم نسمع الى يوم غارات روسية تستهدف معاقل التنظيم ! بل حتى تركيا التي الجميع يتهمها بأنها تقف وراء تمويل التنظيم (وهذا ليس بمستبعد) شنت اليوم غاراتها الجوية ربما لضغوط أمريكية مسبوقة أو لإيجاد الأخيرة مبرراً لاستهداف عناصر حزب العمال الكردستاني (عدوها الأول والأخير) .

الوجود العسكري الروسي الذي نشهده اليوم في سوريا يمكن ان يدرج كونه جزءا من استراتيجية شاملة تبنتها موسكو منذ بدء الأزمة السورية والذي حصل اليوم ليس سوى تغير في التكتيك الروسي تجاه ابنها المدلل بشار الذي اعترف هو الآخر بدعم روسيا وإيران لنظامه في أكثر من مناسبة !, بل حتى وصل الأمر الى مشاركة جنود وضباط روس في القتال الى جانب النظام وفقا لمصادر محلية في الداخل السوري.

أوباما المتردد لم يكن لديه خيار غير توجيه التحذير لروسيا وإعلامها بأن هذه التحركات ما هي إلا إستراتيجية سرعان ما ستبوء بالفشل ولكن بوتين المعهود بمكره في التصريحات امتص نقمة الإدارة الأمريكية عليه ليعلمها بأن حكومته تدعم النظام السوري سياسيا نافيا وجود الجيش الروسي في الأراضي السورية ليتجاهل الوقائع بهذه الوقاحة المعهودة عنه أيضا !.

فخوف موسكو من تقسيم سوريا الذي قد يكون بمثابة الخيار المستقبلي الوحيد كان له دلالة واضحة تعكس الرؤية الروسية الشاملة تجاه سوريا فالتقسيم بالنسبة لروسيا يعني ضعف النظام وانكفائه في مناطق محددة كدمشق واللاذقية وقرداحة وغيرها من المناطق التي يقطنها أنصاره و أبناء جلدته من العلويين والمسيحيين, وربما معظم السنة والدروز الذين لا زالوا يوالون الأسد من بعض الوجوه, والنقطة الهامة هنا التي تعتبر المفصل الجوهري بالنسبة للإستراتيجية الروسية قلق الروس من المعارضة السورية في الخارج الذين قد يجدون في تقسيم سوريا فرصتهم المنشودة وهذا يعني ضم محافظات بعينها من نصيب هؤلاء وفقا للقانون الفدرالي المتعارف عليه دوليا مما يستلزم وجود قوات عسكرية منظمة قد توازي الجيش السوري في التسليح والتدريب ان لم نقل تتفوق عليه وهذا ما يقلق الروس والإيرانيين على السواء .

الأزمة لن تنتهي بهذه البساطة ولكننا يمكن ان نقول بأنها وصلت لنقطة "اللاعودة" ان صح التعبير فروسيا أعادت حساباتها الاستراتجية في الوقت المناسب التي لم يتغير منها شيئا غير التكتيك كما أشرنا ولكننا من هنا لا نستطيع ان نلقي كل التبعية على الروس وحدهم فهناك دول إقليمية لا زالت تعتبر جزءا من هذه الأزمة وهي معروفة بالتأكيد , أما موسكو فليس لها خيار غير اللعب على التناقضات الدولية واستغلال الموقف الأمريكي- الأوروبي المتذبذب لكسب المزيد من الوقت لصالحها .