أقلام القراء / د. يوسف بن مئير / رئيس مؤسسة الأطلس الكبير / المغرب

توحّد ممارسة الزراعة العضويّة الأساليب التقليديّة مع معرفة العصر الحديث للثبات الصحّي والبيئي. ويلاحظ في المغرب بشكل ٍعام بأنه كلّما كانت المجتمعات المحليّة الزراعيّة نائية – وأغلب الأحيان تكون هذه أكثر الفئات حرمانا ً – كلّما كان استعمالها أقلّ للمبيدات وغيرها من الكيماويّات لنموّ محاصيلها. والسبب في ذلك يعود لوضعها الإقتصادي – بخلاف المجتمعات التي تكون أقرب للمدن ومفتوحة أكثر للمعلومات فيما يتعلّق بالإتجاهات الزراعيّة – الناتج عن عدم حصولها على الوسائل الممكنة للتحوّل للمحاصيل النقديّة التي تتطلّب استخدام المواد الكيميائيّة.

لنأخذ مثلا ً على ذلك جبال الأطلس الكبير المغربيّة التي ينتج سكانها (35 %) من إجمالي محصول الجوز في المغرب. هذه المجتمعات موجودة في أقصى وديان المنطقة الجبليّة المرتفعة التي تعتبر أشدّ المناطق تهميشا ً وأصعبها دخولا ً، ولكن بإمكانها تأمين شهادة العضوية الزراعيّة. هذا بخلاف القرى الواقعة في المناطق المنخفضة التي لا تزرع فقط الجوز، بل أيضا ً التفّاح والإجاص وغيرها من الأشجار المثمرة التي تتطلّب استخدام المبيدات والتي بدورها تحول دون الحصول على شهادة زراعيّة عضويّة للسنوات القادمة.

بإمكان اتجاهات السوق في البلدان التي فيها طلب على المنتجات الزراعية العضويّة أن تكون نعمة مباشرة لأفقر المجتمعات الفلاحيّة وللدول النامية. فتبنّي طرق تضمن بألاّ تصبح منتجاتها الزراعيّة ملوّثة بالمواد الكيماويّة تستطيع العائلات الفلاحيّة – التي تمثّل أعلى نسبة من فقراء العالم – أن ترفع بشكل جذريّ سعر منتجاتها الزراعيّة الخامّ والقيمة المضافة.

فهل ستقوم الوكالات أو الشركات العامّة والمدنيّة والتجاريّة والعالميّة بمساعدة هذه المجتمعات في عمليّة الحصول على الشهادة الزراعيّة بتوفير التدريب اللازم وشراء منتجاتها المعتمدة بالشهادة ؟ فإذا كان الأمر كذلك، فإن الودعاء (أو الأقل ثراء ً) سيرثون الأرض، هذا يعني بأنهم سيحصلون على دخل ٍ أكبر واستقرار بيئي من بركات ونعم الزراعة العضويّة.

قد يكون لمشروع زراعي عضوي ناجح والأرباح الجديدة التي يدرّها تأثير مزدوج، أي زيادة في دخل الأسرة وإعطاء فرصة لإعادة الإستثمار المحلّي في مشاريع التنمية البشريّة في التعليم والصحّة وإنشاء المزيد من المشاريع الجديدة. بهذه الطريقة بإمكان أن تصبح المبادرة العضويّة ماكينة ليس فقط لاقتصاد أخضر، بل أيضا ً لتغيير اجتماعي أوسع.

وما سيزيد من تدعيم الإقتصاد الزراعي لفقراء الأرياف هو خلق نشاطات إضافيّة تزيد من قيمة المنتوج، مثلا ً استخراج الزيت من الجوز، إدخال كفاءة أعلى للري وإنشاء مشاتل للأشجار والنباتات وإنشاء الجمعيّات التعاونيّة وإقامة اتصالات وروابط مباشرة مع جهات الشراء العالميّة.

في اجتياز هذه العمليّة التحوليّة في المغرب مع المشروع الإجتماعي لمؤسسة أطلس الكبير وهو HA3 (مشروع أطلس الكبير الزراعي والحرفي) يستطيع المرء أن يدرك حجم هذا التحدّي الكبير. ولتحقيق النجاح، على الشركاء اللازمين من الخارج أن يكسبوا ثقة سكّان الريف، الأمر الذي لا يحصل فورا ً بل على مدى أشهر وسنوات. وقد ينشأ بين المجتمعات المحليّة بعض الخلافات، لذا يجب أن تكون عمليّة بناء الجمعيّات التعاونيّة إحدى عمليّات بناء الثقة.

ومن الإتجاه الآخر، وحتّى لو ناصرت الحركة العضويّة الأساليب الزراعية التقليديّة، يبقى هناك تغييرات منهجيّة خصوصا ً في وقت الحصاد ينبغي تبنيها من قبل المزارعين الذين يعملون بنفس الأساليب والإجراءات منذ أجيال. وبالتلازم مع ذلك هناك حاجة بأن يكون التدريب مستمرا ً وتجريبيّا ً. ويتطلّب تقديم مثل هذه الورش القرب المتواصل من الناس، الأمر الذي غالبا ً ما يتجاوز قدرات الوكالات أو عدم توفّر الرغبة أو الإهتمام للقيام بذلك.

وحتّى بتفان ٍ كبير من طرف المجتمعات المحليّة والشركاء فما زال هناك عنصر قوّي مما قد نسميّه فقط الحظّ الجيّد. قد تكون العوامل الرئيسية للحصول على التمويل الضروري، على سبيل المثال: جدوى المشروع والمثابرة. وبالرغم من ذلك، فالجهات المانحة الفرديّة تشعر نفسها في مياه ٍ مجهولة حيث أنها تقوم بالإستثمارات اللازمة في مشروع مبتدىء يبدأ من سلسلة قيم لم تُختبر بعد. وباختصار، يجب أن تكون ناحية التمويل منهجيّة بقدر الإمكان ومتوفرة ولا تُترك للحظ أو الصدفة، وذلك للنهوض في الإنتاج الزراعي العضوي في المجتمعات الريفيّة المهمّشة.

ومع كل العوائق لتحقيق هذه الأهداف، لدى أولئك المتفانين منذ أمد ٍ طويل في تطبيق الزراعة العضويّة المجتمعيّة والتنمية البشريّة المحليّة أفكار جديدة حول ما يجب فعله. فمكافأة المساعدة على تحقيق ازدهار نسبي وتلبية القدرة البشرية ، وفي نفس الوقت تغذية وتجديد التربة، توفّر طاقة لا تموت. وسيحقق الودعاء من خلال ذلك عدالة اجتماعيّة أكبر.

כתיבת תגובה

האימייל לא יוצג באתר. שדות החובה מסומנים *