أقلام القراء /  الكاتب حامد الشريفي – لندن
الموساد في الميزان…

 

اسم مخيف ؟ قيل انه مشتق من العربية ومعناه "الموس آت" أو"الموس هات" اي انها مؤسسة مختصة في الذبح والقتل ، وهذا الاشتقاق عار عن الصحة، لأن معنى كلمة موساد بالعبرية هو "المؤسسة" ولا اظن التفسير العربي إلا نكتة سَمِجة ، فهي لا تتعدى عن كونها "مؤسسة امنية"، وهي احدى أهم مؤسسات دولة اسرائيل ، وهذه المؤسسة تطورت بسرعة هائلة حتى وصلت وبزمنٍ قياسي الى مصاف الدوائر الأمنية الكُبرى في الدول المتقدمة . وكانت الدعامة الكبرى التي ساعدة على بناء الدولة في برهة قصيرة من الزمن .

ومن اهم انجازاتها هي التدمير التلقائي والغير مقصود للعقلية العربية والاسلامية التقليدية ! (وسنرى ذلك من خلال البحث) بحيث شَلّت تفكير تلك العقول من دون ان تفعل شيئاً .

فأصبحت أغلب العقول لدى كُتابنا ونُقادنا ومثقفينا عقولا جامدة ، ترى في جُل مضامينها هيمنة نظرية المؤامرة عليها بالكامل ، وبالمناسبة، فإن هذا الكلام ليس وليد اللحظة ، فانه يتناقل منذ عقود ، اي قبل وقوع الحروب الثلاثة مع اسرائيل ، فنرى في الصراعات الفكرية العربية (ويا ما أكثرها) من ضروري ان تدس فيها كلمة "موساد" الرهيبة في مواطن عديدة، خصوصاً عند اختلاف اثنين منا في الرأي (وهذا شيء طبيعي وصحي وخال ٍ من الكيميائيات) ، تجد انسب سُباب يستعمله احدنا ضد الآخر هو "انت عميل للموساد"، وتشل خصمك ولا يدري اين يهرب من هذه التهمة التي تفوق تهمة الكفر والزندقة ، وكذلك نفس التهمة توجه للمواضيع المتواضعة من الادب والفن , وهذا ليس بعيب فكل الاداب والفنون العالمية ولكل الشعوب والحضارات تجد فيها الصالح والطالح ، انها مجرد مسألة اذواق وقابليات ، ولكن عندنا يُعلق الناقد على مستوى يراه هو هابطاً متدنيا، فغالباً ما يقول إن "الموساد" هو من وراء هاذا الانحلال الفني وللاسباب كذا وكذا، ولا فرق ان كان شعراً ام قصة أم اغنية ، فالعلة واحدة . وهذا ما نراه طعنا بالفكر والابداع العربي ، من حيث لا يعلمون ، فمهما كان فيه من هبوط فهو فن او محاوله فنية يجب نقدها نقداً بنائا لتصحيحها، لذا ترانا مشلولي التفكير البَناء للخروج من اية معضلة ، او معالجة مشاكلنا الاجتماعية بموضوعية، وكأنه عار اذا واجهنا مشكلة معينة . في احدى الدول العربية التي قمت بزيرتها قريباً ، لديهم محطة تلفزيونية حكومية ، وبرأيي المتواضع فإنها تتمتع بمستوى فني جيد، لما فيها من مواضيع متنوعة ومفيدة للاسرة وللمجتمع ، ففيها الصحة والقانون والاجتماع والترفيه والرياضة والادب والفن بكافة اشكاله ، فترى أغلب الناس تقول لك ان المحطة الفلانية أسسها "الموساد" عندنا ، عجيب! وكيف ذلك يا سادتي؟ فيجيبون ، الا ترى ما فيها من فساد ؟ من اغاني هابطة ورقص؟ (سبحان الله الاغاني والرقص عند العرب فساد)، فهم لا يروا كُل تلك المحاسن التي فيها، من ثقافة ونصائح علمية واجتماعية وكذلك فنهم الكلاسيكي الذي حاز على اعجاب العالم ، بل ينظرون فقط للشيء الذي لا يعجبهم . والأهم من كل ذلك هو موقف رجال الدين الذين يفترض ان يكونوا صمام الامان للامة من اي انحراف فكري ، نراهم يساهمون مساهمة كبرى في التهويل والمبالغة من شأن تلك المؤسسة وتعظيمها، واعطائها تلك القدرة المبالغ فيها والغير حقيقية.

ومنذ عقود حذر الأديب الكبير نجيب محفوظ من مغبة نسبة كل مصائب العرب والهزات الارضية الى إسرائيل. وكتابنا اليوم يقولون في جُل محاضراتهم وخطبهم بل وكتاباتهم ما مُلخصه: التحذير من "الموساد" الذي هو من وراء كُل شئ سيئ عندنا ، كذلك النزاعات الطائفية ما بين مذاهب الدين الواحد هي الاخرى سببها "الموساد" الذي يريد الايقاع بين المسلمين، والنزاعات العنصرية مابين شعوب الدول العربية سببها "الموساد"، الذي يريد بث روح الفرقة والكراهية بين شعوب تلك الدول، وهذا الربيع العربي لتلك الشعوب الثائرة البطلة والتواقة للحرية بعد ان استيقظت من سباتها ، هو ايضاً من تحت رأس هذه الداهية وهو سببه ، وحتى النزاعات الاسلامية التي مضى عليها قرون فهي تنسب الى مارد "الموساد" !! نعم ليس باسمه المخيف "الموساد"، لانه لم يكن ذلك الأسم الجبار المخيف موجوداً آنذاك ، ولكن وحسب أقوال امهات الكتب الاسلامية تشير اليه في المضمون تحت اسم "الديانة اليهودية" ، هناك تسمية اسلامية وهي"اسرائيليات القرآن" ذُكِرت كثيراً ، وهناك كتاب يحمل ذلك العنوان. الحقيقة الموضوع طويل جداً وذو شجون . وقد خطر على بالي للتو قصة الجرذان الاسكندنافية العملاقة التي ارسلها "الموساد" لتاكل ارجل اطفال فلسطين ! نعم هذا الموضوع ذُكرَ في اواخر تسعينيات القرن الماضي في احدى الفضائيات التي تُتَهم اليوم وكباقي الفضائيات والصحف والمجلات التي لا تروق لاهوائهم (بعميلة الموساد)، ايام كانت تلك المحطة توصف "بلسان العرب الصادق" ، ناهيك عن اساطير العقاقير المسببة للعقم والمسرطنة وارسالها الى مصر، واشاعة الفاحشة عند العرب الذين لا يعرفون سوى الفضيلة ! اقرؤا على سبيل المثال وليس الحصر كتاب "زهر الربيع" للعلامة الجزائري المتوفي في ١١١٢هـ ، وما فيه من عجائب وغرائب فنون الفاحشة الكبرى، وفيه ما يُعلم العالم بأسره من امور جنسية فاضحة ، ومؤلفه هو من العلماء الاجلاء، وله مؤلفات كثيرة في شتى المجالات ولكنه كتب ذلك الكتاب للإحماض والتعليم والترفيه، كما قال الجاحظ ي كتابه "البيان والتبيين"، وكذلك كتاب "رجوع الشيخ الى صِباه في القوة على الباه" الذي ألفه ابن كمال باشا للسلطان العثماني ليساعده على اشباع حريمه من شتى الدول والشعوب التي غزاها ، وكتاب "في ذكرى مزاج الاحليل" و غيرها من الكتب الكثيرة التي كُتبت في هذا المضمار للسلاطين والملوك والعلماء المسلمين والعرب التي كانت قصورهم تغص باجمل النساء، والتي لا حصر لها ولا عدد ، ولو كانت لغير المسلمين لانقلبت الدنيا ولم تقعد. اِذن فنحن نعرف تلك الامور جيداً ولا نحتاج لمن يُعلمُنا اياها . اقول الم نكتف بعد ؟ ام ألفنا العيش في الاوهام ؟ فلماذا نضخم من مقدرة تلك المؤسسة ونبالغ فيها ونجعلها اسطورة ونعطيها اكبر من حجمها كما قال الأديب الكبير المرحوم نجيب محفوظ عن إلقاء اسباب جميع الكوارث على عاتق إسرائيل؟ ليتنا سلطنا الضوء بدل ذلك على مؤسسة "هداسا" الطبية الإنسانية بدلا من وهم "الموساد" الذي أمرضنا، أما مؤسسة "هداسا" فقد انقذت حياة البشرية من آفة السرطان والعياذ بالله ، ليس بعلاجها للمرضى فقط ، بل بأبحاثها التي يشارك فيها ويستفيد منها العالم باسره . وهنا اذكر بان بعض اعضاء العائلة المالكة السعودية يستقدمون الأخصائيين من اسرائيل سرا لمعالجة ابنائهم وبناتهم ونسائهم، بل ان احد كبار السياسيين العراقيين أرسل عمته وابنتها للعلاج فيها عام ٢٠٠٨ وقد شفيت تلك المرأة من هذا الداء العضال وهي الان في العراق وبصحة جيدة ولله الحمد. فماذا يرسل الحكام العرب ابناء عائلاتهم الى إسرائيل ويمنعون عامة الشعب من مستشفياتها الرائدة في العالم? وفي العهد الملكي، نصح السفير البرطاني وطبيب العائلة المالكة الأنكليزي سندرسن إحدى الأميرات للمعالجة في مستشفى هاداسا ، لقربها من العراق وتوفير تكلفة المعالجة الباهظة وعناء السفر الى برلين. ولكن الأمير عبد الاله رفض المعالجة في مستشفى يهودي واصر على تلقي العلاج في ألمانيا على "حساب الحكومة العراقية" الغنية، فقابلت العائلة المالكة هتلر في برلين، وكانت الاميرة تفتخر وتتباهى الى يوم وفاتها بأن هتلر قبل يدها عند مقابلتها في برلين. وعادت حليمة الى عادتها القديمة، ترى هل اصابت لعنة هتلر العائلة المالكة العراقية أيضا؟ والله أعلم !

 ان المقالات المدونة في هذه الخانة تعبر عن اراء اصحابها, ولا تلزم الموقع بمحتواها

3 תגובות

  1. لا شك ان كل الحكومات العربية حكومات غير شرعية  فعدوها الاول والاخير هو شعوبها وتظاهر هذه الحكومات بالعداء لاسرائيل لتضليل الشعوب ومن ثم السيطرة عليها وقمعها كما تخاف من اسرائيل لا على اساس انها محتلة لفلسطين وتقمع الفلسطينين وانما الخوف من الديمقراطية والتعددية والحرية وحقوق الانسان وانتقال السلطة سلميا اي حكم الشعب التي يتمتع بها المواطن في اسرائيل بما فيهم المواطن العربي والمسلم لهذا لا تطور ولا تقدم في ظل هذه الحكومات وانما تخلف وتأخر فالعربي الى الان يعيش قيم وعادات ابي سفيان وابي جهل والويل لمن يخرج عنها  اقول صراحة العربي الان لم يصل حتى الى مستوى الاسلام  لكن البعض الذي يدعي الاسلام بالحقيقة انه لم يرتفع الى مستوى الاسلام بل سحب الاسلام الى مستواه اي انه اختطف الاسلام وافرغه من قيمه ووضع بدلها القيم الجاهلية

  2. العقلية العربية تعتمد التضخيم والتهويل وخلق أعداء افتراضيين خذ محمد نبي المسلمين الذي  كان يعتبر كل فئة او دين  مخالف لرأيه بمثابة العدو الذي يجب القضاء عليه انطلاقا من قاعدة  البداوة التي تشجع على غزو وسلب  الملوك والحضارات والتاريخ الاسلامي زاخر بهذه الظواهر السلبية  التي تحتاج الى شرح طويل ومفصل . 
    مقالك جميل وموضوعي  فسلمت الأنامل عزيزي  .      

  3. انا بصراحة اقتنعت بكلامك .. بس اكيد المساد هو من  كتب ذلك المقال .

כתיבת תגובה

האימייל לא יוצג באתר. שדות החובה מסומנים *