الصحفي الإسرائيلي روني شالوم
الصحفي الإسرائيلي روني شالوم

حوار أنجزه لصالح المجلة الإسرائيلية الشهيرة "ميدا" الصحافي روني شالوم محرر إخباري ومحلل سياسي في شؤون إسرائيل  والشرق الأوسط

تقديم:

مليكة مزان شاعرة وروائية مغربية معروفة تميزت بدفاعها عن حقوق الأمازيغ كسكان أصليين لشمال أفريقيا منذ آلاف السنين في وجه الاحتلال العربي الإسلامي آنذاك.

تواصلنا مع مليكة عبر صفحتها على الفيسبوك التي تجذب حاليا أكثر من 50 ألف معجب، يتابعون يوميًا منشوراتها التي تحمل في سطورها الكثير من الغرابة والإثارة لدرجة باتت استفزازًا قوياً لكثيرين من العروبيين والإسلاميين والمحافظين.

الناشطة الامازيغية مليكة مزان
الناشطة المغربية مليكة مزان

نشكر مليكة على موافقتها على إجراء هذا الحوار مع مجلتنا حتى يطلع قراؤها الإسرائيليون على مزيد من آرائها ومواقفها المثيرة للجدل.

نص الحوار:

ـ في سياق تحديد هويتك، هناك مجموعة من المصطلحات بالإمكان استخدامها مثل شاعرة مغربية، مفكرة علمانية، ناشطة أمازيغية، ما المصطلح الذي يأتي في سلم أولويات تحديد هوية مليكة مزان؟  

ـ  ليس هناك أولويات بهذا الصدد، إعطاء أولوية لمصطلح دون غيره من شأنه أن يعطي صورة ناقصة عن إيمان مني شديد وراسخ بضرورة بالخوض في مجالات متعددة وبأساليب مختلفة ولهدف واحد: محاربة الفكر الهمجي حيثما كان ومهما كانت مرجعيته.

ـ كأديبة أمازيغية علمانية تكتب كلماتها بالعربية، وكناشطة حقوقية وجمعوية من أجل شعبك الأمازيغي ومن أجل حقوق المرأة، ما هي المشاكل الأساسية التي تعترض النساء في المجتمع المغربي اليوم، والأمازيغيات بشكل خاص؟

ـ  المشكل الأول والأساسي الذي يحول دون تحرر المرأة المغربية هو للأسف صعوبة القضاء على ما يزال يمارس في حقها حتى الآن من كل أنواع العنف المادي والرمزي. هذا العنف سببه سيادة الفكر الذكوري الذي لا يهدأ له بال إلا إذا أفشل للمرأة كل تطلع منها طبيعي ومشروع إلى آفاق حياتية أفضل، ليبقى صون كرامة المرأة المغربية وضمان تحررها، كأي امرأة أخرى في العالم، مرتبطاً بمدى قدرتها على مواصلة الصمود والمقاومة في وجه هذا الفكر الذكوري الهمجي.

ـ ألا يعتبر استخدامك للغة العربية في كتاباتك وأشعارك مناقضاً بعض الشيء لمناهضتك للهوية العربية؟ وهل بإمكانك أن تشرحي لنا موقفك من هذه الهوية بشكل عام؟

ـ استخدامي للغة العربية لم يكن أمراً اختيارياً، بل جاء في سياق الإبادة الثقافية التي تنهجها الدولة المغربية ذات المرجعية العربية الإسلامية في حق لغتنا الأمازيغية التي حرمنا من تعلمها وإتقانها لتصير لنا لغة تفكير وإبداع. كما أن هذا الاستخدام ليس مناقضاً في شيء لمناهضتي للهوية العربية بل هو (على العكس تماما من ذلك) وسيلة أثبتت نجاحها في التعبير عن مناهضتي لتلك الهوية. وهي مناهضة تنبني على حقيقة أن هذه الهوية لا صلة لها بالأرض والشعب المغربيين، بل مجرد هوية دخيلة مفروضة على شعبنا بقوة السلطة السياسية والدينية التي تتمركز في يد الأقلية العربية الحاكمة، ومن ثم ليس لها أن تكون وطنية ولا رسمية في بلد أمازيغي كالمغرب.

ـ تعرف منشوراتك بصراحتها وبانتقادها المستفز للمحيط العربي الإسلامي المحافظ، هل تعرضتِ لمحاولات اعتداء أو تهديد بالقتل، إذا كان الجواب بنعم، فمن أية جهة وصلتك تلك التهديدات؟

ـ  على مدى سنوات طويلة ومنشوراتي تثير غضب كثيرين وتدفعهم إلى تهديدي بكل ما يظنون أنه كفيل بردعي عن مواصلة نضالي من أجل مجتمع إنساني حر ومتسامح، وآخر تهديد كان من طرف خلية إرهابية كشفت الاستخبارات المغربية مؤخراً عن كونها كانت تنوي تصفية عدد من المثقفين المغاربة على رأسهم المفكر الأمازيغي أحمد عصيد وشخصي المتواضع وزعيم حزب سياسي يساري كبير.

ـ من المعروف أن شعوباً كثيرة خضعت للاحتلال الإسلامي العربي، وقسم كبير منها اضطر لاعتناق الإسلام كدين له، لكن دون أن يتبنى اللغة والهوية العربيتين، كالفرس مثلاً والأتراك، ما وضع الأمازيغ بالنسبة لهؤلاء؟ هل تم الحفاظ على الهوية واللغة الأمازيغية؟

ـ  بالإضافة إلى ما فرضته الأقلية العربية الحاكمة من تعريب في حق بلدنا وشعبنا المغربيين فقد ساهم الأمازيغ أنفسهم في نجاح سياسة التعريب بما أسرعوا إليه من تبن لهوية العرب ولغتهم على أساس أن هويتهم الأصلية هي هوية جاهلية ووثنية، وأن لغتهم الأم هي لغة تخلف وهمجية، كيف لا يسرعون إلى ذلك وقد انطلت عليه أكاذيب العرب الذين يقدمون لغتهم على أنها لغة الجنة والسماء وثقافتهم على أنها ثقافة كل تقوى وهدى وخلاص؟ بل بلغت سذاجة الإيمان بالأمازيغ حد انخراط كثيرين منهم عبر التاريخ في كثير من العمليات الجهادية الإرهابية طمعاً منهم في إرضاء النزعات المرضية للعرب أو في نيل تلك الجنة الرديئة التي يوعد بها الغزاة والجهاديون.

ـ هل  فكرة إقامة دولة أمازيغية مستقلة لم تعد موجودة؟

ـ  تحرر الأمازيغ من كل تبعية سياسية وثقافية بهدف إقامة دولة أمازيغية مستقلة أمر صعب على أساس أن الأغلبية العظمى من الأمازيغ لا يملكون من الوعي ولا من الشجاعة ما يكفي للتنكر للإيديولوجية العربية الإسلامية التي هي الأصل في كل تبعية يعانون من ويلاتها حتى الآن، لكني أبقى متفائلة على أساس أن مستقبل الشعوب يفاجئنا دائماً بما لم نكن نتوقع من أساليب التحرك ولا من مستويات النزوع نحو كل تحرر.

ـ  من كان وراء قرار الحكومة بحظر عقد مؤتمر لتأسيس حزب أمازيغي جديد هو Tamagit d Usnulf   هل هذه الخطوة، بالإضافة إلى قرارات سابقة بحل الأحزاب الأمازيغية، تدفع الأمازيغ إلى الشعور بأن الدولة تعمل على التضييق عليهم، وهل برأيك تخاف الدولة المغربية من إقامة "دولة داخل دولة"؟

ـ ليس هناك ما يخيف النظام المغربي (بعد التهديدات الإرهابية) مثل تطلع الأمازيغ إلى مزيد من التحرر، لذا، ووعياً منه بخطورة هذا التطلع على المصالح الحيوية للتواجد العربي الإسلامي على أراضينا، نرى هذا النظام ما يزال يعمل كل ما في وسعه لإبقاء الأمازيغ تحت وصايته الجهنمية، فيقوم، مثلاً، بمنع تأسيس أحزاب أمازيغية مبرراً ذاك المنع بمقتضى قانون الأحزاب الذي لا يسمح بتأسيس أي منها سواء على أساس ديني أو أساس عرقي، لكنه في الواقع قانون يكيل بمكيالين على اعتبار أن كل ما في الساحة السياسية المغربية من أحزاب نشطة حتى الآن هي أحزاب تستند على أحد تلك الأسس، وهي أحزاب ذات مرجعية عربية أو إسلامية أو هما معا، وهذا من شأنه أن يرفع من درجة إحساس الأمازيغ بالتضييق عليهم، ومن ثم أن يدفعهم مستقبلاً إلى إعلان مزيد من الغضب والعصيان، وبهذه المناسبة يسعدني هنا أن أعبر لدولة إسرائيل عن اعتزازي الكبير بها دولةً تثبت ممارساتها اليومية بأنها فعلاً دولة الحقوق والحريات، كما هي دولة التعدد والتسامح، دولة سيشرف حكومات دول الجوار التي ابتليت بها مناطقنا في كل من الشرق الأوسط وشمال إفريقيا أن تكون لها أجمل قدوة.

ـ نلاحظ، من خلال منشوراتك، أن الشعب الأمازيغي يتعاطف مع الشعب الكوردي الطامح إلى إقامة دولة مستقلة له، ما هي نقاط التلاقي والتشابه بين النضال الكوردي والأمازيغي؟

ـ لأن المد العربي الإسلامي هو العدو المشترك ما بيننا كأمازيغ وما بين أشقائنا الكورد، بل وما بيننا وبين أشقائنا الإسرائيليين أيضاً فنضال شعوبنا بدوره يجب أن يكون مشتركاً، ولعل من أهداف نضالنا المشترك هذا أن نشكل جبهة موحدة قوية للحد من الهيمنة العربية الإسلامية على حقنا في الوجود، بأن نجعل دعاة هذه الهيمنة يدركون، أكثر من أي وقت مضى، بأن خطاباتهم الدينية والسياسية التي كانوا يغسلون بها أدمغتنا كشعوب أصلية، ويحتالون بها على الرأي العام الإقليمي والدولي حتى يتعاطف الكل مع قضاياهم الزائفة لن تنجح اليوم، كما نجحت بالأمس، في جعلنا ننسى قضايانا الحقيقية لنصير خداماً مخلصين لقضاياهم، بل خداماً يتناحرون فيما بينهم إرضاء للنزوات الوحشية للعرب والمسلمين.

ـ تعُتبرين من النقاد الشرسين للعرب، ففي إحدى منشوراتك وصفت العرب بالعنصريين وبالمحتلين، من  تقصدين بذلك؟

ـ  للأسف كل العرب، وحتى قبل مجيء الإسلام، قوم يغلب عليهم الاعتزاز بالذات على حساب ذوات الآخرين، هذا الاعتزاز المبالغ فيه هو الأصل في ثقافتهم الهمجية وفي نزعاتهم الاستعمارية، وإن كنت سأستثني أحداً هنا من صفة العنصري فلن يكون سوى تلك الفئة من العرب التي تحترم حق الآخرين في الوجود بعيداً عن أي هيمنة أجنبية.

ـ هل من  أوجه شبه بين السلطات المغربية والسلطات الفلسطينية في تجسيد السياسات العربية ؟

ـ المشروع العربي الإسلامي مشروع استيطاني مجرم، وهو هو حيثما حط رحاله. إن كان هناك عرب يحملون هذا المشروع في منطقة ما ذكروك بالضرورة، ومن خلال سلوكاتهم ومخططاتهم، بعرب آخرين في مناطق أخرى، لا عجب إذاً إن لم يكن هناك فرق يذكر ما بين عرب المغرب وعرب المشرق، ما بين السلطة المغربية والسلطة الفلسطينية: كلاهما قاطع طريق ممتاز، ونصاب محتال لا يتورع في استعمال كل الوسائل لتنفيذ مخططاته الاستيطانية الإجرامية.

ـ هناك جهات في المغرب مؤيدة للفلسطينيين تهاب التقارب الإسرائيلي/المغربي، واليهودي/ الأمازيغي بشكل خاص. مما يخاف هؤلاء المؤيدون لما يسمى بالقضية الفلسطينية برأيك، ولماذا يريدون فرض مواقفهم على مجمل الشعب؟ وهل هم مدعمون من قبل الحكومة؟   

ـ حكومتنا باعتبار توجهاتها العروبية الإسلامية لا يمكن لها إلا أن تدعم هؤلاء العنصريين الإرهابيين، بل إن الدولة المغربية بكل مؤسساتها تعمل (موازاة مع ذلك) على محاولة إبقاء شعبنا الأمازيغي خادماً أميناً لقضايا العرب وعلى رأسها ما يسمى بالقضية الفلسطينية،  وذلك بأن تحول بينه وبين أن يسترجع وعيه الحقيقي، ذاك الوعي الذي معه ستتغير اختيارات بلدنا وأولوياتها، كما ستضيع معه كل مصالح العرب على أراضينا إلى الأبد. ولعل هذا المصير العربي الإسلامي المؤسف المرعب بالنسبة لهؤلاء هو ما يجعلهم جميعاً، وبكل ما يتقنونه من أساليب الخبث والمكر، يتحركون في كل اتجاه لإقناع المغاربة بأن إسرائيل عدوهم الأول، وبأن أية محاولة للتطبيع معها جريمة كبرى في حق الوطن، بل وفي حق المجتمع الإنساني قاطبة.