جدلية الحرية والتحرير عربيا

بقلم د حسين الديك

د. حسين الديك أقلام القراء موقع إسرائيل بالعربية

 

لقد اكتسبت مفاهيم الحرية والتحرير حيزا قويا في الفضاء السياسي والثقافي العربي في فترة متأخرة ، اذا ما قورنت بالشعوب والمجتمعات الأخرى ، اذ كانت السلطوية العثمانية الطاغية في المشرق والمغرب العربي تمثل تحديا قويا للتطلعات العربية نحو الحرية والتحرير ، ولكن الانفتاح العربي على الغرب والذي تمثل بالبعثات الدراسية في أوروبا وبالحملة الفرنسية على مصر وبلاد الشام و بمحاولة محمد علي باشا توحيد مصر وبلاد الشام وإقامة دولة على الطراز الأوروبي الحديث ، كل هذا المؤثرات حركت الشعور العربي القومي نحو الحرية والتحرر من الاحتلال و الطغيان السلطوي العثماني في القرن الثامن عشر، و بدأت تظهر الجمعيات والأحزاب السرية والعلنية التي تطالب بالإصلاحات وبالحقوق والحريات .

 

وبعد هزيمة تركيا في الحرب العالمية الاولى وخسارتها كل ممتلكاتها في المشرق والمغرب وحتى في البلقان ، حصلت الشعوب العربية على التحرير وهو التخلص من الاحتلال العثماني التركي ، ولكن في نفس الوقت لم تحصل تلك الشعوب على الحرية وتحقيق طموحاتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية ، فقد حصلت على التحرير ، ولكن لم تحصل على الحرية ، وهنا تكمن جدلية التحرير والحرية عربيا ، فهل أرادت الشعوب العربية في ثورتها ضد الاحتلال التركي التحرير فقط ؟؟ ام ان الهدف الاسمى لها هو تحقيق الحرية السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية ؟؟ رحل الاحتلال التركي عن البلاد العربية ، ولكن جاء نوع اخر من الاحتلال وهو الاحتلال الغربي الاوروبي الفرنسي والانجليزي ، ولم يحصل المواطن العربي على حريته وحقوقه الأساسية ، وهنا تحرك المثقفون والادباء والمبدعون والقيادات التقليدية والثورية  بالثورة ضد الاحتلال الأجنبي الأوروبي وطالبت الجماهير العربية بالتحرير والتخلص من الاحتلال ، وقد كان لها ذلك في أواسط القرن العشرين تقريبا ، ولكن هل حققت تلك الشعوب حريتها ؟؟

 

عندما تحررت البلاد العربية من الاحتلال الفرنسي والانجليزي ، قامت في تلك الدول حكومات عربية وقادة عرب وأنظمة عربية وتحقق التحرير الكامل ، ولكن هل حصلت الشعوب على حريتها السياسية والمدنية والاقتصادية والاجتماعية؟؟!! ، تأسست في البلاد العربية أنظمة سلطوية دكتاتورية صادرت الحريات واعتقلت المعارضين وزورت الانتخابات ولاحقت المناضلين وانتهكت الدساتير الشكلية التي وضعتها بنفسها  وصادرت الحريات واعدمت الالاف ، وفي الختام لم يحقق المواطن العربي أي جزء من حقوقه الأساسية كالحقوق المدنية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية ، ولم يحصل المواطن العربي على ادنى مقومات الحرية ، فهل المطلب هو التحرير ام الحرية ؟؟؟

 

ولا شك ان مطلب الشعوب هو دائما الحرية ، ولكن ليس شرطا ان حصلت الشعوب على التحرير ان تحصل على الحرية ، فقد تحررت البلاد العربية من مشرقها الى مغربها ، ولكن الشعوب العربية لم تحصل على حريتها ، و هل يمكن ان تحصل الحرية بدون التحرير ؟؟؟

 

 

هناك بعض المناطق الجغرافية في الوطن العربي لم تحصل على التحرير ، ولكن شعوب تلك المناطق حصلوا على الحرية وحققوا طموحاتهم وحقوقهم السياسية والمدنية والاقتصادية والاجتماعية ، فعلى سبيل المثال الشعب السوري الذي يعيش في لواء الاسكندرونة والذي لازال يخضع للسيطرة المباشرة للدولة التركية ، فقد حقق سكان تلك المنطقة كافة حقوقهم وحرياتهم ومطالبهم بدون ابن يحصلوا على التحرير من الاحتلال التركي، والمثال الاخر مناطق شمال المغرب التي تخضع للاحتلال الاسباني فقد حصل اهالي تلك المناطق على كافة حقوقهم وحرياتهم وتحققت لهم الحرية بدون ان يتحقق التحرير ، ليس ذلك فحسب بل الكثير من الشعب المغربي اليوم يتمنى لو انه من سكان الشمال الخاضع للسيطرة المباشرة للدولة الاسبانية ليحقق كل مطالبه وحرياته في تلك الدولة الديمقراطية ، وغالبية عظمى من الشعب السوري اليوم تتمنى لو انها تعيش في لواء الاسكندرونة الذي يخضع للسيادة التركية الكاملة لكي يحققوا حريتهم وكافة مطالبهم في تلك المناطق، وهذا مالم يحققه أي سوري او مغربي يعيش في المناطق التي حصلت على التحرير من قبل والتي تسودها الأنظمة السلطوية الديكتاتورية او تسيطر عليها مليشيات طائفية .

 

 

 

 فالحرية يمكن امتلاكها والحصول ليها بدون التحرير ، والتحرير ليس شرطا للوصول الى الحرية فهناك الكثيرين حصلوا على حقوقهم ومطالبهم وحرياتهم بدون الحصول على التحرير ، ولكن الجدلية العربية والسائدة اليوم في العالم العربي وهي التركيز على التحرير ونسيان الحرية ، والتحرير قد يعني المجهول لان القادم غير معروف ، وقد يأتي يوم يتباكى من نادوا بالتحرير على أيام الاحتلال كما هو الواقع اليوم في البلاد العربية .