أقلام القراء / جمال سلطان (مصر)

لو لم توجد داعش لجاهدت نظم عربية عديدة لصناعتها وتسويقها ، هذه هي الخلاصة لما نراه الآن من عمليات المتاجرة "ببعبع" داعش ، فبشار الأسد الذي احتضنت أقبية مخابراته المتعددة قيادات داعش قبل سنوات ونسقت عمليات مرورها إلى العراق وتسليحها ووفرت لها ملاذات آمنة في الجنوب السوري ، قبل أن تتفجر الثورة السورية وتختلط الأوراق ، بشار اليوم يحاول أن يسوق نفسه لدى أمريكا والغرب بوصفه حائط الصد المتقدم أمام خطر داعش ، وأجهزة إعلام الأسد حولت تلك القصة إلى ما يشبه نشيدا وطنيا من كثرة تسويقه ، لأن بشار يعتقد أن نجاحه في تسويق تلك الفكرة سيكون حبل إنقاذه من ثورة شعبه ومن قرار إسقاطه ونسيان الغرب لمذابحه الدموية في الشعب السوري والتي هي أكثر وحشية بكثير من جرائم داعش ، وقد حاول نوري المالكي استخدام نفس اللعبة لكنه فشل لأن حالته كانت واضحة أن ظهور داعش واختراقها كان بسبب سياساته الإقصائية والطائفية الحمقاء ، ويحاول حاليا حسن نصر الله زعيم تنظيم حزب الله الشيعي اللبناني المتطرف والموالي لإيران ، يحاول أن يسوق كثيرا في جميع خطبه حكاية أن داعش هي الخطر الأول والأخير في المنطقة ، وأنه لا بد من جبهة عريضة لمواجهة خطر داعش على دول المنطقة ، وهو بذلك "يرمي بياضه" للأمريكان ، ويبحث عن موقع قدم له في التحالف الجديد مع الولايات المتحدة ـ الشيطان الأكبر سابقا! ـ كيف لا ، والقيادات الغربية تتحدث علنا عن تحالف أمريكي إيراني للتصدي لداعش ، فما المانع أن يكون وكلاء إيران ـ مثل حسن نصر الله ـ جزء من الشراكة ، وهناك الآن من بغداد وحتى نواكشوط تصريحات متتالية من أكثر النظم قمعا وديكتاتورية ودموية عمليات "تصدير" متتالية للحديث عن داعش وخطرها ، تشعر وكأنهم وقعوا على "هدية السماء" لإنقاذهم من ريح الثورات الشعبية وتعاطف بعض القوى الغربية مع رغبات الشعوب في التحرر والكرامة وميلاد نظم مدنية حديثة تراعي مقومات حقوق الإنسان الأساسية ، الرسالة التي ترسلها النظم العربية الديكتاتورية الآن للغرب : انسوا حكاية الديمقراطية وحقوق الإنسان لأن منطقتنا لها خصوصيات مختلفة ، ألا ترون داعش وأمثالها ، كيف نتعامل معهم بديمقراطية أو حقوق إنسان ، كما أن داعش قد تصل إلى مدنكم وتهددكم في عقر داركم إذا لم نفلح نحن في التصدي لها هنا ؟! ، هذا ملخص الرسالة "التصديرية" الانتهازية المتكررة التي ترسلها عواصم عربية لأمريكا والغرب بصفة مستمرة هذه الأيام ، كل الديكتاتوريات العربية الآن تغازل أمريكا بحكاية داعش ، رغم أن داعش وأخواتها من تنظيمات العنف هي الوليد الطبيعي لتلك النظم ومناخات القمع والاستباحة والسحق والتهميش والتعذيب التي مارستها ضد معارضيها وخاصة من أبناء التيار الإسلامي .

الديكتاتوريات العربية وحلفاؤها الليبراليون هم الآباء الشرعيون لداعش

ليست النظم الديكتاتورية وحدها التي تتاجر بداعش وتعتبرها "هدية" لتصفية خصومها ، وخاصة من التيار الإسلامي ، بل هناك تيار عريض ممن ينسبون أنفسهم زورا لليبرالية ، وخاصة في منطقة الخليج العربي والشام والعراق ، يحاولون توظيف "بعبع" داعش في صناعة حالة من الخوف من مجمل التيار الإسلامي ، وهو التيار الذي يعرف الجميع أنه يمثل أشواق عشرات الملايين من العرب والمسلمين للحرية والعدالة واحترام هوية الأمة الثقافية والتاريخية والحضارية والدينية ، ولك أن تتخيل تحريض هذه النخب الانتهازية لحرب شعواء على عشرات الملايين من الشباب العربي ، إنهم يريدونها نارا لا تهدأ في ربوع بلاد العرب حتى تأتي على الأخضر واليابس ، المهم أن لا يكون لخصومهم السياسيين أو الفكريين أي وجود أو حضور ، والملاحظة الغريبة أن كل نظام مستبد الآن أو طاغية أو غير ديمقراطي تجد أبرز الملتصقين به من حوارييه المقربين والمسوقين له والمدافعين عنه والمبررين لجرائمه واستبداده رموز ليبرالية رفيعة ، من إعلاميين وصحفيين ومثقفين وفنانين وأدباء وخبراء استراتيجيين ـ حسب ما يقدمون أنفسهم ـ ومديري مراكز بحوث ممولة بالكامل من أجهزة أمنية واستخباراتية ، سواء في عواصم عربية أو في عواصم أوربية مثل لندن ، وتستغرب كثيرا ، كيف يتحالف مدعو الليبرالية مع أكثر النظم معاداة لليبرالية ، كيف يتحالف دعاة التنوير والحداثة والأنسنة مع أكثر النظم استبدادا وظلامية ومعاداة للتنوير والحداثة والحرية ، لكن في النهاية هذه هي المعادلة القائمة والتي على الجميع التعامل على أساسها . هذا التطرف الليبرالي ، أو المنسوب زورا لليبرالية ، يزداد هوسا هذه الأيام ، بعد أن كشفت الإدارة الأمريكية ومراكز صناعة القرار هناك "الملعوب" ، وتكررت التصريحات من مسؤولين أمريكيين أن ظهور داعش وتمددها كان بسبب سلوكيات غير ديمقراطية وغير مسؤولة من حكام المنطقة ، بما في ذلك المالكي وبشار الذي اعتبره رئيس هيئة الأركان الأمريكية في كلمته أمس أنه أساس كل الفوضى في المنطقة ، إضافة إلى تصريحات للرئيس الأمريكي باراك أوباما قال فيها نصا : إن داعش لا صلة لها بأي دين ، بما يعني قطع الطريق على محاولات ربطها بالحراك الإسلامي العريض وخاصة تياراته وأحزابه الوسطية ، مثل هذه التصريحات زادت من هياج ليبراليي نظم القمع والاستبداد ، حتى تكاد تسمع أحدهم يقسم بالله أن داعش هي الوجه الآخر للأحزاب الإسلامية ؟!، ولكن أغلب الظن أن أحدا لم يعد مستعدا لقبول هذا "النباح" ، ومثل هذا الخطاب لم يعد قابلا للتصدير ، وهناك قناعة تزداد وضوحا الآن وهي أن "داعش" إذا صح نسبتها إلى أب شرعي ، فهي الابن الشرعي لنظم القمع والديكتاتورية والتعذيب والإقصاء والفساد وشركائها وحلفائها من ليبراليي الدجل والانتهازية الرخيصة .

כתיבת תגובה

האימייל לא יוצג באתר. שדות החובה מסומנים *