أقلام القراء
الكاتب: المحامي أحمد البكري
نكبة يهود بغداد المنسية
من المعروف للجميع تاريخ اليهودية في بلاد الرافدين وكيف استقرت في بعض المدن العراقية وأثرت ايجابا في حضارة هذا البلد العريق ،حيث يرجع بعض المؤرخين وجودهم هناك الى اكثر من 2600 عام قبل الميلاد وتعتبر من اقدم الديانات التوحيدية التي استقرت في العراق ،وبعد ان استقر اليهود في ارض بابل لقرون طويلة تمكنوا بعد ازدياد اعدادهم من النزوح شمالا الى بغداد وسامراء وكركوك وجنوبا الى مدن العمارة والبصرة في اقصى جنوب العراق.

فيما يخص يهود بغداد فان اعدادهم ازدادت باضطراد ملحوظ فبعد ان كانوا في بداية نزوحهم لايتجاوزون بضع مئات اصبحوا في منتصف القرن التاسع عشر يشكلون نصف سكان بغداد لما لهذه المدينة التاريخية من طبيعة خاصة كونها تستقطب كافة الديانات والمذاهب والقوميات دون تمييز او تفريق او عنصرية فضلا عن ان اليهود انفسهم الذين سكنوا بغداد كانوا ذا مكانة اجتماعية مرموقة ويمثلون الطبقة المترفة فيها وباتوا يجسدون روح وذوق بغداد الفني والجمالي .ان السعي الحثيث والعمل الدؤوب والجدية والامانة في التعامل التي كان يتصف بها يهود العراق بشكل عام ويهود بغداد بشكل خاص هي التي مكنتهم من السيطرة على مفاصل اساسية ومهمة في بغداد من تجارة وصناعة وصرافة وغيرها ،فبعد تأسيس اول غرفة تجارية في بغداد عام 1910 كان لليهود اكثر من نصف مجموع اعضائها وبعد انتخاب اول غرفة للتجارة في بغداد عام 1926 بعد تأسيس الدولة العراقية الحديثة ،كان أغلب اعضائها من يهود بغداد ،وفي مجال الصرافة والعملات اشتهرت شخصيات يهودية بغدادية بها أمثال حزقيل ألياهو وساسون صالح ،وفي السياسة وأعمال الحكومة اشتهر اليهودي ساسون حزقيل بكونه شغل منصب وزير المالية في خمس حكومات متعاقبة ابتداء من أول وزارة عراقية تشكلت بعد تأسيس الدولة برئاسة عبد الرحمن النقيب ،وكان ساسون يعتبر أشهر وأنزه وزير عراقي شهدته الحكومات المتناوبة في العراق لحد الان حيث كان مثالا للوطنية والشهامة ووضع مصلحة العراق فوق كل اعتبار.كما اشتهر قسم من يهود بغداد في مجال الادب والشعر والفن وبرز منهم الشاعر مراد ميخائيل وأنور شاؤول والفنانون يوسف حوريشو والاخوين صالح وداود الكويتي والمطربة سليمة مراد باشا ،وفي مجال الطب برز منهم أطباء أجلاء مثل ساسون بلبول وعزرا نسيم ترزي وجاك عبودي ،كذلك اشتهر قسم منهم في مجال القانون كالمحامين ناحي ألياهو ونعيم موشي كوهين وشوعة صبون ويوسف زلخة وغيرهم.

لقد كانت أحياء بغداد الراقية تزهو بالقصور والبيوت الفخمة العائدة لليهود والتي تعد تحف فنية غاية في الجمال والابداع وهي لازالت قائمة وشامخة الى يومنا هذا دالة على المستوى الراقي الذي كان يهود بغداد يتمتعون به منذ ذلك الحين ((ولحد هذه اللحظة لازلت أمر بسيارتي بشكل شبه يومي بالقرب من دار المرحوم دانيال في منطقة الجادرية ببغداد الذي أسس سوق دانيال الحيوي في بغداد)).

ظل الحال مستمرا على هذا النحو وظل اليهود يعملون بشكل تصاعدي كل في مجال عمله الى ان جاء عام 1941 الذي حمل معه أول نكبة تضرب يهود بغداد بعد أن قام قسم من الرعاع وصعاليك بغداد بحملة منظمة استهدفت أموال اليهود وتجارتهم وذلك بنهب محالهم وبيوتهم بشكل مقرف وهمجي اضطر على اثرها قسم من اليهود الى التفكير مليا بموضوع بقائهم في هذا البلد ،ولم تمضي سوى بضع سنين حتى جاءت النكبة الكبرى والتي أصابت بغداد وأهلها قبل أن تصيب اليهود والتي أفرغتها من أهم مكون فيها ألا وهي نكبة اجلاء يهود العراق قسرا واستمرت بين عامي 1949-1952 بعد ان قامت السلطات الحكومية بأخذ ممتلكاتهم وأموالهم واخرجتهم من البلد بملابسهم التي يلبسونها فقط .

ان النكبة الحقيقية التي حصلت هي نكبة مزدوجة فقد نكب اليهود وفجعوا باخراجهم من بلدهم وتجريدهم من اموالهم وكذلك نكبت بغداد التي حرمت من طبقة مهمة وأساسية كانت تمدها بروح الانتماء والولاء والمواطنة ووضعت لمساتها الفنية والجمالية على هذه المدينةالمنكوبة التي اصبحت الان ملاذا للخارجين عن القانون وعصابات الاسلام السياسي وأوباش ايران الملالي الذين أضاعوا جمالية هذه المدينة وأرجعوها مئات السنين للوراء بعد أن هجرها قسرا أو اضطرارا سكانها الاصليين.
ملاحظة: لم يتبق لحد كتابة هذه السطور سوى سبعة أشخاص من اتباع الديانة اليهودية في بغداد.
ان المقالات المدونة في هذه الخانة تعبر عن اراء اصحابها, ولا تلزم الموقع بمحتواها

 

21 תגובות

  1. الاستاذ احمد البكري المحترم
    احيك على هذا المقال الذي ذكرنا باشقائنا العراقيين اليهود ولكن لي ملاحظة بخصوص تطرقك الى حادثة الاعتداء على اليهود عام 1941وصورت غاية المعتدين هي السرقة ولم توضح للقراء من الذي حرض هولاء الغوغاء على هذه الاعتداءات وما الغاية منها وهل هي جزء من الحملة التي شنت على اليهود بعد ذلك لغرض ترحيلهم من وطنهم العراق الى وطنهم الجديد اسرائيل
    تحياتي لك

  2. تحية  طيبة لك استاذ احمد .. لقد وضعت يدك على جرح قديم لم يندمل بعد فعلا ان يهود العراق وبالأخص يهود بغداد بالتحديد كان وجودهم مهم وحيوي في جميع النواحي لكن للأسف الاسلام السياسي دائما يفاجئنا بعداءه وتعصبه المقيت وخير دليل على ذلك ما جرى لليهود في ذلك الوقت كما ذكرتم .. اشكركم شكر الجزيل

  3. تحية  طيبة لك استاذ احمد .. لقد وضعت يدك على جرح قديم لم يندمل بعد فعلا ان يهود العراق وبالأخص يهود بغداد بالتحديد كان وجودهم مهم وحيوي في جميع النواحي لكن للأسف الاسلام السياسي دائما يفاجئنا بعداءه وتعصبه المقيت وخير دليل على ذلك ما جرى لليهود في ذلك الوقت كما ذكرتم .. اشكركم شكر الجزيل

  4. تحية وسلام للأستاذ أحمد ..
        مقالك مهم وذو فائدة بالنسبة للقاريء ، نحتاج كثيرا" لمثل هكذا طرح لكي تظهر للعيان والأجيال حقائق لا ينبغي أن تبقى منسية .
    شكرا" لك ولكلماتك .

  5. تحية وسلام للأستاذ أحمد ..
        مقالك مهم وذو فائدة بالنسبة للقاريء ، نحتاج كثيرا" لمثل هكذا طرح لكي تظهر للعيان والأجيال حقائق لا ينبغي أن تبقى منسية .
    شكرا" لك ولكلماتك .

  6. لا شك ان نكبة اليهود في بغداد كانت نكبة العراق حيث قامت مجموغات بدوية متخلفة بمهاجمة اليهود هي نفسها التي تهاجم المسيحيين الان وكما افرغوا العراق من كقاءات اليهود يريدون افراغ العراق الان من كفاءات المسيحيين ويذلك يسود ظلام السلفية الوهابية لكن الشعب العراقي وقواه الحرة وعلى رأسها المرجعية الدينية ضدالهجوم على اليهود وحرموا قتلهم ونهب اموالهم ا وهذا الموقف اتخذ مع المسيحيين

  7. شكرا للاستاذان الجليلان باريس بحري وجمال مزراحي..كما تقول الحكمة ((الشئ بالشئ يذكر)) فليس من الاخلاق او العدل ان نهمل ذكر اناس من خيرة ابنائنا وصفوة مجتمعنا تعرضوا للتنكيل على ايدي حفنة اوباش تحركهم ماكنة الدعاية الدينية المتطرفة وبالتالي حرمان مجتمع باكمله من مكون مهم وفعال ساهم في بناء وتأسيس الدولة ..نحن في بغداد وكما يقول المثل العراقي ((استبدلنا عاقل بمجنون)) اذ فقدنا يهود بغداد الاصلاء مقابل ثلة من الجهلة وقطاع الطرق الهمج وبالتالي وبعد خمس عقود وجدنا ان تركيبة بغداد الاجتماعية قد انقلبت رأسا على عقب ..حديثي في هذا المجال ذو شجون ويحتاج الى صفحات كثيرة ..شكرا لكما

  8. شكرا للاستاذان الجليلان باريس بحري وجمال مزراحي..كما تقول الحكمة ((الشئ بالشئ يذكر)) فليس من الاخلاق او العدل ان نهمل ذكر اناس من خيرة ابنائنا وصفوة مجتمعنا تعرضوا للتنكيل على ايدي حفنة اوباش تحركهم ماكنة الدعاية الدينية المتطرفة وبالتالي حرمان مجتمع باكمله من مكون مهم وفعال ساهم في بناء وتأسيس الدولة ..نحن في بغداد وكما يقول المثل العراقي ((استبدلنا عاقل بمجنون)) اذ فقدنا يهود بغداد الاصلاء مقابل ثلة من الجهلة وقطاع الطرق الهمج وبالتالي وبعد خمس عقود وجدنا ان تركيبة بغداد الاجتماعية قد انقلبت رأسا على عقب ..حديثي في هذا المجال ذو شجون ويحتاج الى صفحات كثيرة ..شكرا لكما

  9. حضرة الاخ محمد خضير عباس شكرا لمداخلتكم اللطيفة …بالتأكيد لم يكن القصد من احداث عام 1941 هو سرقة محلات اليهود بل كان الامر يتعلق بخروج اليهود في عيد الشعانين وفرحهم بعودة الوصي عبد الاله بعد فشل حركة رشيد عالي الكيلاني، ان ذلك فيه تفصيل سوف اطرحه في مقالة منفصلة لاحقا بأذن الله. شكرا لك مرة اخرى 

  10. حضرة الاخ محمد خضير عباس شكرا لمداخلتكم اللطيفة …بالتأكيد لم يكن القصد من احداث عام 1941 هو سرقة محلات اليهود بل كان الامر يتعلق بخروج اليهود في عيد الشعانين وفرحهم بعودة الوصي عبد الاله بعد فشل حركة رشيد عالي الكيلاني، ان ذلك فيه تفصيل سوف اطرحه في مقالة منفصلة لاحقا بأذن الله. شكرا لك مرة اخرى 

  11. وقد استغل بعض ضعاف النفوس الامر ليتطور الى سرقة محلات وتجارة يهود بغداد ..اي تم ضرب عصفورين بحجر فالاحداث بدأت وكأنها سياسية ومن ثم تم توظيفها لايقاع ايذاء اكبر باليهود من خلال نهبهم.

  12. وقد استغل بعض ضعاف النفوس الامر ليتطور الى سرقة محلات وتجارة يهود بغداد ..اي تم ضرب عصفورين بحجر فالاحداث بدأت وكأنها سياسية ومن ثم تم توظيفها لايقاع ايذاء اكبر باليهود من خلال نهبهم.

  13. الموضوع شيق رغم  أنني لم أشهد تلك الأحداث المروعة  ليهود العراق ألا أن كان والدي ووالدتي من سكنة منطقة (العوينة – عقد النصارى) في شارع الرشبد ببغداد ..عندما كانوا يسردون لي حقيقة ماجرى من أعمال سلب ونهب وقنل لناس أبرياء من اليهود على يد مجرمين أسلاميين بدافع السرقة والحقد والكراهية ..وكان والدتي تشعر بالأسى والظلم لكونها كانت شاهدة عيان لما حصل لجيرانها من اليهود المسالمين وهي تقول لي كان اليهود ناس بسطاء لايحملون حقدا أو كراهية بل العكس كانوا يساعدون الناس ويشاركون الأخرين بالأفراح والأحزان , لكن نحن المسلمين ناس همج بربرية مجرمين وفي أحد السنين روت لي والدتي كيف كانت تعالج أحد أخواني على يد الدكتور (جاك عبود) وهو طبيب نفساني في مدينة البصرة كان يعالج أخي الكبير مجانا بسبب ضعف حالتنا المادية أنذاك وكان الطبيب  أيضا يتكفل مجانا بتكاليف سفر أهلي من بغداد الى البصرة الى أن سافرنا وأسقرنا بالسكن في البصرة وهذا حدث في عام 1960 ..الخلاصة عانى اليهود من ظلم وجور بعض العراقيين بداع العنصرية والشعور بمركب النقص ..واليوم عندما أزور حي (عقدالنصارى) في بغداد أشاهد نقشات نجمة داود وهي منحوتة على جدران وسقوف دور اليهود التي تحول  الكثير منها الى محلات تجارية وأن تلك الأثار من نقشات أو بناء قديم يخفي خلفه قصص وذكريات تحاكي نفسي وأتمنى لو كان لهذه البنايات لسان لتروي لي تأريخ وحياة اليهود في العراق …

  14. لا أحد يمكنه أن ينكر ب ودور اليهود المؤثر في تاريخ الإنسانية

  15. لا أحد يمكنه أن ينكر ب ودور اليهود المؤثر في تاريخ الإنسانية

  16. واضح انك يهودي عراقي محترم بل يبدو انك لاتزال في العراق  شكرا للمعلومة

  17. واضح انك يهودي عراقي محترم بل يبدو انك لاتزال في العراق  شكرا للمعلومة

  18. كان لليهود دورااساسيا في التأسيس للحياة العصرية في بغداد فهم اول من اولى اهتماما بالتعليم والفن وتأسيس مدارس تدرس اللغات والموسيقى .

  19. اعجبني هذا المقال عرفنا منذ زمن بعيد عن اليهود المهجرين من العراق وخاصـــة فــــي منطقة الكفــــــل (( الجفل )) باللهجة العرقية  ولا تزال ليومنا هذا شواهد لمنازل اليهود المهجرين ويحكى قديماًً ان اليهود البغداديين هم اصل التجار في منطقة الشورجة السوق الرئيسي لبغداد وعرف عنهم الطيبة والاخلاص هذا ماسمعتة من اجدادي وكما اخبروني انهم من التركيبة الاساسية للمجتمع العراقي بس للاسف باقي الاحداث نجهلها بسبب الاعلام المضلل اتمنى ان اعرف اين هم الان 

  20. سمعنا قديماً من اجدادنا ان اليهود كانوا يسكنون منطقة الكفل ( الجفل ) باللهجة العراقية                      ولا تزال ليومنا هذا شواهد لمنازلهم التي هجرو منها كما سكنوا منطقة الكفاح والشورجة                                            ( السوق التجاري الرئيسي لبغداد )  وكانو من كبار التجار والعصب الاساسي للتجارة فيها                  وعرف عنهم الطيبة والاخلاص ومن وهم التركيبة الاساسية للمجتمع العراقي اما باقي الاحداث               فقد تم التعتيم عليها والسبب الاعلام العربي المضلل اتمنى ان اعرف اين هم الان …

  21. قد اكون متأخراً بعض الشيء ولكن ان تأتي متاخرا خير من ان لا تأتي ابداً هناك عدة عوامل لديمومة المجتمعات منها الطيف المتجانس لكافة مكونات الدول والتي تؤوسس لحظارة مستمرة

כתיבת תגובה

האימייל לא יוצג באתר. שדות החובה מסומנים *