الدكتور علي بن سعد الموسى أقلام القراء / الدكتور علي بن سعد الموسى
نقلا عن الوطن أون لاين

استثناء المسافة الحمراء الدموية من الموصل إلى سرت، ومن إدلب إلى عدن، لا يوجد اليوم على كل وجه الأرض ولا عشر معركة واحدة مفتوحة حتى ما بين الكوريتين وما بين قبائل الهوتسي والتوتو الإفريقية. هذه الحقيقة الناصعة تبرهن على أن العالم كان "سيكون" أكثر أمنا وسلاما واطمئنانا لو لم يكن في قلبه هذا الشرق الأوسط. وأرجو ألا يلقي أحدكم باللائمة على إسرائيل، لأن في هذا تسطيحا فجا لتبرير الأسباب.

إسرائيل لا دخل لها بحدود التماس ما بين داعش والنصرة، ولا علاقة لها في المطلق بما يحدث ما بين عفاش والحوثي وبين الحكومة اليمنية، ولا سبب لها بالحرب المؤدلجة في صحراء ليبيا البعيدة. نحن نولد في هذه المنطقة الدموية الحمراء من خريطة هذا العالم وفي أجسادنا "جين" فيروسي خامل، لا يلبث أن يحيا ويتكاثر نحو الدمار والحرب ونحو الكراهية والإقصاء والتصنيف البغيض. نحن وبأيدينا قتلنا من بين بعضنا البعض في الأعوام الخمسة الأخيرة عشرات أضعاف أضعاف ما أسقطته حروبنا التاريخية مع إسرائيل في خمسين سنة.

من هو المسؤول إذا؟ هي صحوة الجهل، وأنا هنا لا أقصد أبداً شماعة الصحوة الدينية، لأنها مجرد سبب شارد من بين عشرات الأسباب. وقبل أن تولد إسرائيل (الحديثة)، ويوم كانت حتى مجرد أفكار ووعود على الورق كان وضعنا كما يلي: كانت مصر تدير دواليب أول مطبعة خارج الغرب الأوروبي وقبل دخولها لليابان والصين الشعبية. كانت مصر ثالث العالم بأسره في إنتاج الأفلام السينمائية. منتصف خمسينات القرن الماضي كان في بيروت 16 مكتبة خاصة، وكانت في هذا الرقم تتفوق على كل مدن فرنسا باستثناء باريس. في نفس الفترة بالتقريب كانت تونس تحتفي وتحتفل بأنه لا يوجد لديها طفل واحد لا يذهب لمدرسة نظامية متطورة، ولكنها اليوم، وللمفارقة، أكثر دول العالم تصديرا للشباب التونسي إلى صفوف داعش. إنها صحوة الجهل.

كانت كلية "غوردون" للطب في السودان سابع أرقى كلية للطب في هذا العالم، وكانت في هذا التصنيف تتفوق على جامعات ييل وبرنستون وعلى السوربون، وللدهشة تأتي مباشرة بعد الأم المؤسس لكلية غوردون: أكسفورد البريطانية. تشعر بالخجل أن غوردون، "جامعة الخرطوم" حاليا، اكتفت من هذا الإرث التاريخي بأخذ زوارها إلى المتحف الذي يستعرض هذه الوثيقة الورقية البالية لموقعها في أول وأقدم تصنيف جامعي كوني.

في منتصف القرن الماضي وحتى نهايته كانت دولة مثل الكويت منارة إشعاع تصدر منها أروع المجلات الثقافية، وكانت مجلة "العربي" الشهيرة تطبع نصف مليون نسخة، فلا تخلو منها قرية عربية واحدة. لك اليوم أن تسأل أقرب شاب إليك: ماذا تعرف عن الكويت، فلن تجد جوابا بأكثر من أنها دولة تنتج النفط. والخلاصة أننا لا نولد وفي جيناتنا فيروس الحروب الخامل الذي يستيقظ حين يكون الشاب العربي قادرا على حمل الخنجر والسيف، بل نولد أيضا وفينا "ذبابة" النوم التي يستيقظ بعدها هذا الإنسان العربي على…… صحوة الجهل.