عندما يصاب التنظيم بالهزائم المتتالية في سوريا والعراق فإن مقاتليه في مصر يزيدون من نشاطاتهم

صحيفة هآرتس / بقلم تسفي برئيل

توجد مشكلة لأبو هاجر الهاشمي، قائد داعش في شبه جزيرة سيناء، مع حماس في قطاع غزة. فمنذ شهرين تقوم قوات الامن التابعة لحماس في اعتقال نشطاء تنظيم الدولة الإسلامية، أو المشبوهين بالتعاون معه، ويعملون على منع دخول الجهاديين إلى القطاع من سيناء. بشكل عام حماس تعبر عن تصميم يقول إنه في قطاع غزة لا يوجد للتنظيم ما يبحث عنه.

هناك مصلحة سياسية لحماس، وليس فقط مصلحة سياسية محلية، في محاربة المنظمات المتطرفة المنافسة. قادة حماس يريدون الاستجابة لاملاءات القاهرة التي تقول إن استمرار التعاون بين حماس والنظام في مصر، خصوصا فتح معبر رفح، يتعلق بشكل مباشر باثبات «النوايا الحسنة» لحماس. الشرخ بين جناح الدولة الإسلامية في شبه جزيرة سيناء وبين حماس وصل إلى ذروته في الشهر الماضي، عندما سمى الهاشمي رجال حماس بـ «كفار» وطلب من رجاله منع عبور البضائع من سيناء إلى غزة عن طريق الانفاق التي ما زالت تعمل.

وحسب التقارير المصرية فإن الهاشمي قام بوضع حراس على مداخل الانفاق من اجل منع حماس من استخدامها، لا سيما عبور الوقود إلى القطاع. وردا على ذلك زادت حماس من حملات الاعتقال لمؤيدي تنظيم الدولة الإسلامية في المناطق التي تسيطر عليها. وتفيد التقديرات أنه يوجد لدى حماس 350 معتقلا من نشطاء التنظيم.

لأسف قادة حماس، هذه المواجهة العلنية مع تنظيم الدولة الإسلامية لم تقنع السلطات في القاهرة لرفع أو حتى تخفيف العقوبات التي فرضتها على حماس، ومنها منع دخول نشطاء حماس إلى الاراضي المصرية واعتبار كتائب عز الدين القسام منظمة إرهابية. وفرض قيود شديدة اخرى على عبور البضائع من مصر إلى غزة. في زيارة استثنائية قام بها اسماعيل هنية للقاهرة في بداية الاسبوع، عاد الموظفون الرسميون في مصر وأكدوا على عدد من الشروط التي تطالب بها مصر. ومن ضمنها الطلب من حماس تسليم المطلوبين لمصر. وأن تقوم بحراسة الحدود بين غزة وسيناء واعطاء معلومات حول الاشخاص المشبوهين الذين يصلون إلى غزة.

«الزاوية الغزية غير مغلقة كليا»، قال صحافي يعمل في صحيفة رسمية في مصر لصحيفة «هآرتس. وهو مقرب من جهات حكومية رفيعة المستوى ايضا، «الاستخبارات المصرية تعاني من مشكلة»، وأضاف «إنها على يقين من أنه لدى حماس معلومات دقيقة حول مواقع الدولة الإسلامية في سيناء، خاصة في شمال سيناء، وأن حماس تحتفظ بأوراق ولا تقوم بكشفها». وأضاف الصحفي إن المخابرات المصرية لا تستطيع الاعتماد على القبائل البدوية في سيناء لأنها تستفيد من التجارة مع تنظيم الدولة الإسلامية، وهي غاضبة على الجيش المصري الذي يقوم بالحاق الضرر بها بدون تمييز. «الاستخبارات لا تثق بأي أحد، فقط هي تثق بالمعلومات التي تأتي من إسرائيل»، قال الصحافي.

داعش في سيناء

اسماعيل هنية الذي يوجد منذ خمسة اشهر مع عائلته في قطر، لا يستطيع وحده تقديم البضاعة لأي طرف. ايضا بعد قيام مصر بخطوة بناء ثقة وفتحت معبر رفح بشكل أكثر من المعتاد، لا زال في حماس من يسعون إلى توثيق العلاقة مع إيران بدل الاعتماد على القاهرة، أو على الاقل الحفاظ على خيار استئناف العلاقة مع طهران. في الوقت الحالي يستمر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في حربه ضد تنظيم الدولة الإسلامية في سيناء. وقد أعلن عن تمديد حالة الطواريء في سيناء لثلاثة اشهر، وهذه هي المرة العاشرة التي يتخذ فيها قرار كهذا بشكل يناقض الدستور المصري، الذي يسمح للرئيس بالإعلان مرتين متتاليتين عن حالة الطواريء. في الاسبوع الماضي أمر السيسي بمنع سفر المواطنين المصريين والاجانب في نفق قناة السويس، من اجل منع تسلل النشطاء الإرهابيين وتشديد الرقابة على «سياح الجهاد»، مثلما يسمى المتطوعون لتنظيم الدولة الإسلامية.

وبشكل مواز، الجهاديون ايضا يجدون صعوبة في الحفاظ على السلام داخل البيت. الذراع العسكري في سيناء يسمى «انصار بيت المقدس» الذي كان تابعا للقاعدة، وفي العام 2014 أعلن ولاءه لزعيم تنظيم الدولة الإسلامية أبو بكر البغدادي. وتُسمع هناك الآن اصوات تطلب اعادة الولاء للقاعدة، على خلفية الهزيمة التي لحقت بالدولة الإسلامية في العراق وسوريا. ويبدو أن الضربات التي تنزل على التنظيم المتطرف تقوم بتشغيل ادوات متداخلة، حيث يتحول الفرع المصري إلى ناجع أكثر كلما تراجعت المواقع في العراق وسوريا.

داعش في سيناء

السيسي يمكنه أن يغار

يستطيع الرئيس المصري أن يغار من نجاح الجيش العراقي الذي يعمل مع قوات التحالف والاكراد. لقد نجحوا في القضاء على قوات الدولة الإسلامية في الجزء الاساسي من الموصل وبدأوا في التقدم نحو الجزء الغربي من المدينة. قوات الجهاد المحلية تتركز الآن في الازقة في غرب الموصل، وبعضها قرر وقف الحرب والاندماج مع السكان. وتصل من الموصل تقارير تفيد بأن كثيرين من نشطاء الدولة الإسلامية قاموا بحلق لحاهم واستبدلوا ملابسهم وأخفوا سلاحهم. والبعض منهم انضم إلى اللاجئين الهاربين من شرقي المدينة نحو سوريا أو حلب الكردية، على أمل أن يتملصوا بهذه الطريقة من القوات العراقية التي تلاحقهم.

على هذه الخلفية بدأت الحياة في شرقي الموصل تعود إلى طبيعتها. عشرات المدارس فتحت من جديد وعشرات آلآف الطلاب عادوا إلى المقاعد الدراسية، والشرطة العراقية والمليشيات الشيعية تحافظ على النظام هناك. ويتم فرض النظام بشكل فظ. من الصعب التقدير متى ستنتهي الحرب في الموصل، خصوصا لأن المساعدة الأمريكية غير مضمونة على خلفية عدم وضوح سياسة ترامب. صحيح أن رئيس الولايات المتحدة أعلن أنه يريد معركة خاطفة وانتصارا ساحقا على الدولة الإسلامية، لكن ليس واضحا اذا كان على استعداد لزيادة التواجد الأمريكي العسكري في الميدان الذي يبلغ الآن 7 آلاف مقاتل يقومون بتدريب وارشاد القوات المحلية. وكذلك لا يوجد تعريف واضح لترامب حول معنى الانتصار ـ هل احتلال الموصل والرقة فقط هو الذي يعتبر انتصار؟ كيف يرى مشاركة الحكومة العراقية والسورية في الحرب وما الذي سيحدث بعد تحرير هاتين المدينتين؟ جميع الجهات المتقاتلة تنتظر الاجابة على هذه الاسئلة، وخصوصا قيادة تنظيم الدولة الإسلامية، التي تواجه صعوبات مالية شديدة.

في سوريا ايضا تراجعت سيطرة الدولة الإسلامية في المناطق التي كانت تسيطر عليها. الآن يواجه مقاتلو الدولة الإسلامية تركيا وروسيا وجيش الأسد والجيش السوري الحر. وقد تم تحرير الكثير من القرى على طول الحدود بين سوريا وتركيا من أيدي الجهاديين، وبدلا منهم تسيطر مجالس محلية ومليشيات تدعمها تركيا. يبدو أن التنظيم يبذل الجهود لاحكام سيطرته على الرقة وتوسيع سيطرته في دير الزور على الحدود العراقية. ويتوقع حدوث عملية عسكرية مركزة في هذه المنطقة من قبل الولايات المتحدة وروسيا للتوصل إلى الحسم واقتلاع التنظيم من اساسه الاقتصادي. وفي نفس الوقت يستمر النشطاء المتطرفون في السيطرة على مدينة تدمر وتعميق تواجدهم في مدينة الباب في شمال سوريا، حيث يديرون هناك المعارك ضد الجيش التركي.

مثلث العمل الاساسي للدولة الإسلامية في سوريا والعراق ومصر يخلق صعوبة في بناء قوة متعددة القوميات، لذلك هناك حاجة إلى القوات المحلية التي تشمل المليشيات والجيش النظامي. ويحتمل أن تصل سوريا في نهاية المطاف إلى وقف لإطلاق النار بشكل مستقر، اذا نجحت جهود روسيا في اقناع القوات المتحاربة بترك السلاح. ولكن تطورا كهذا سيدفع المليشيات إلى التجند للحرب ضد الدولة الإسلامية وضد جبهة فتح الشام. هذه المليشيات ستفضل تجديد احتياطي السلاح والذخيرة واستئناف القتال ضد النظام. في مصر يتحدثون منذ سنوات عن تغيير الموقف من القبائل البدوية في شمال سيناء، وضرورة الاستثمار في التطوير الاقتصادي والمدني في المنطقة من اجل تشجيعهم على محاربة الدولة الإسلامية. ومؤخرا تم نشر منشورات بلا توقيع تطلب من البدو الانضمام إلى القوات المصرية كجنود وليس فقط كمتعاونين. ولكن عندما يقصف الجيش المصري بدون تمييز في العريش فهو يدمر المنازل أو يعتقل مئات المواطنين البدو. ومشكوك فيه أن يحدث تحول كهذا في العلاقة بين البدو وبين النظام.
العلاقة المتوترة بين الانظمة العراقية والمصرية والسورية وبين السكان الذين يمكنهم المشاركة في الحرب ضد الدولة الإسلامية، أو على الاقل عدم تقديم المساعدة لها، توضح إلى أي درجة تعتمد محاربة الإرهاب على التفاهمات السياسية المحلية، التي بدونها ستجد الجيوش صعوبة في الحسم. ومثلما تبدو الأمور الآن، مشكوك فيه التوصل إلى تفاهمات في هذه الدول الثلاثة، التي تستوجب أن تقوم الانظمة باستثمار الاموال الكبيرة والاستعداد للشراكة السياسية مع الخصوم. يستطيع الجهاديون الاستمرار في الاعتماد على الانقسامات من اجل البقاء، كما فعلوا حتى الآن.